ذخائر الوعيد والاستهزاء

00:15 صباحا
قراءة دقيقتين

يشوب الاجتماعات الدولية التي تنعقد بين فينة وأخرى زخم كبير من خطابات تتسم بانعدام الثقة والتأزم والانتقادات الحادة غير المألوفة سابقاً. وقد بدأت هذه الظاهرة تتنامى بعد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وفرض القوى الغربية آلاف العقوبات على موسكو. ولكن لا شيء يوحي بأن تلك العقوبات قد حققت أهدافها، وإنما أفرزت نتائج عكسية وبدأت تبلور منظومة مضادة لا يبدو أفقها مطمئناً على المدى البعيد.
منتدى دافوس، الذي انعقد للمرة الأولى بعد جائحة «كورونا»، عاد مختلفاً عن سابقيه، وغابت عنه الفرضيات المتفائلة، وسادت توصيفات متشائمة حيال الوضع العالمي والأزمات والصراعات التي يشهدها. وفي شرقي آسيا، قام جو بايدن بجولة شملت كوريا الجنوبية واليابان، وعلى مدى ثلاثة أيام كانت التصريحات الصادرة عنه وعن مساعديه محفوفة بالحذر، وسجل بعض المواقف التي تتسابق مع التوتر الدولي، فلم يستبعد التدخل العسكري ضد الصين إذا سعت إلى ضم تايوان بالقوة، كما لم يوفر تهديداته على روسيا وأطلق ذخيرة من الوعيد. وبالمقابل كانت ردود بكين وموسكو ضمن نسقها المألوف، المفعم بالتهكم والاستخفاف بالمواقف الأمريكية والأوروبية، وعلى الأرض هناك تنسيق غير مسبوق بين البلدين من منتدى دافوس إلى قمة «إكواد».
في الأيام الأخيرة سجلت الأنباء مواقف روسية صينية مثيرة، لا يمكن الاستخفاف بها وإن جاءت في نبرة سخرية أو استهزاء. فمثلاً، عندما التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين برئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو، وأخبره بأن الغرب يحمله أزمتي الطاقة والغذاء، كان رد سيد الكرملين قوله متهكماً: «سأتحدث مع بوتين بجدية»، وهي عبارة كثيراً ما رددها الزعماء الغربيون وأولهم بايدن، ويعني إطلاقها بهذه الصيغة أن موسكو لا تبالي بما يفعله الغرب أو يخطط له. ومن روسيا أيضاً، هناك موقف آخر لا يقل بلاغة عن الأول، حين قال نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي ديمتري ميدفيدف إن «مبادرات السلام» الأوروبية حول أوكرانيا ليست سوى تيار هادر من التنظير يطلقه هواة يواظبون على قراءة الصحف الإقليمية،.
 لا يتوقف هذا المنهج في التعامل مع الغرب على روسيا فحسب؛ بل إن زعماء الصين لديهم ما يقولون في هذا المضمار، على الرغم من أنهم قليلو الكلام والهذيان الدبلوماسي، فالرئيس شي جين بيغ، اعتبر في مكالمة هاتفية مصورة مع مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ميشيل باشيليت، أن الدول الغربية بارعة في إلقاء المحاضرات والعظات حول حقوق الإنسان. كما تقوم بتسييس القضايا وخفضها وتصعيدها حسب مصالحها. وإن كان هذا الخطاب لا يميل إلى السخرية الحادة إلا أنه نوع من التقريع الشديد، الذي يحمل موقفاً سياسياً رافضاً لكل المواقف الغربية الصادرة بهذا الشأن.
خلاصة الحال، تؤكد أن استشراء الخطابات العدائية من جهة، وتنامي خطاب السخرية والتهكم من جهة أخرى، يعني أن التواصل بين هذه القوى المؤتمنة على الأمن والسلام العالميين بلغت درجة عالية من القطيعة والتنافر، وربما تخفي هذه الخطابات أموراً تتجاوز حدود الخطر إلى كارثة وشيكة تحدق بالعالم.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"