صراعات ليبيا الدونكيشوتية

00:14 صباحا
قراءة دقيقتين

مفتاح شعيب

لم تكن الاشتباكات الأخيرة في العاصمة الليبية طرابلس إلا جولة ضمن مسلسل العنف الذي لم يتوقف منذ زهاء أحد عشر عاماً، ولا يبدو أن نهايته قريبة طالما بقيت طبول الحرب تُقرع، حيث إن الأطراف المتنازعة تتمترس خلف مواقفها المتصلبة وترفض التعامل بحكمة مع الواقع الذي يتطلب التضامن العاجل، على أسس وطنية صرفة، لتجاوز الأوضاع المتدهورة.

حال الشعب الليبي، في أتون هذه الصراعات، تثير الشفقة، فقد ظل سنوات طويلة ينتظر ضوءاً من نهاية النفق يجلب معه الأمن والاستقرار والتنمية والتحرر من سطوة العنف المسلح، والفساد والجريمة المنظمة والإرهاب والتدخلات الدولية، وكلما توقع أنها فُرجت، جارت عليه الخلافات والانقسامات وتحولت بعض مناطقه، ولا سيما طرابلس، إلى ساحات اقتتال ومبارزة بين الأطراف السياسية المختلفة.

وكانت اشتباكات الأيام الماضية الأسوأ على الإطلاق، ومثلما سفكت الدماء وخلفت عشرات الضحايا، نسفت معها فسحة الأمل التي ظلت صامدة منذ اتفاقيات ملتقى الحوار الليبي في جنيف العام الماضي، وتوصياته بالتوافق على إطار دستوري لإجراء انتخابات عامة خلال أشهر. ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث، ولعبت أطراف داخلية وخارجية على تعميق الخلافات حتى عادت إلى مربع العنف، وقد كان هذا المصير متوقعاً منذ فشل لقاءات مجلسي النواب و«الدولة» في جنيف أواخر يونيو الماضي.

وبالنتيجة، تفاقمت التباينات بين الخصوم السياسيين وتصاعدت التوترات الميدانية، مع تسجيل مزيد من المواجهات المسلحة بين ميليشيات متنافسة في طرابلس، على وجه الخصوص.

لا تقتصر مشكلة ليبيا على عدم توافق فرقائها على مصالحة شاملة، تضمن انتخاب شرعية غير مطعون فيها، تسفر عن سلطة تعمل على توحيد المؤسسات الحيوية وتحقيق الأمن، وحماية الثروات من النهب والفساد، بل هناك عدم توافق الأطراف الدولية على مقاربة محددة تخدم مصلحة الشعب الليبي، لا مصالحها.

وقد يكون من المثير حقاً أن الأمم المتحدة فشلت في تعيين ممثل خاص في ليبيا منذ استقالة مبعوثها كوبيتش، بصورة مفاجئة في نوفمبر الماضي.

ومنذ ذلك التاريخ تعددت الأسماء المرشحة للمنصب، ولكن أياً منها لم يحظ بتوافق، بسبب تضارب أجندات القوى الكبرى واختلافاتها العميقة، ليس على ليبيا فحسب، بل حول قضايا دولية عديدة، بعضها يحتاج إلى تحرك دولي ناجع، نظراً لخطورة حالها وتداعياتها.

من عادة الشعوب ألا تيأس، وعلى هذا الأساس لن يفقد الليبيون الأمل في تغيير واقعهم واستعادة بلادهم من براثن الفوضى، والتنازع بين «الشرعيات» والحكومات سيستمر إلى اللحظة التي ينبثق فيها وعي وطني يؤمن بالتعايش والاستقرار.

وإذا ما تحقق هذا الاستحقاق داخلياً، ستضطر الأطراف الخارجية إلى احترام إرادة الليبيين والتعامل معها واقعاً سيادياً يجب عدم تجاوز خطوطه.

ومهما طالت الأزمة وتمادت جميع الأطراف في التعنّت والتلكؤ والمناورة، فسيأتي ذلك اليوم. ولكن المؤسف حقاً أن السنوات الماضية أهدرت الكثير من الموارد والأرواح والأحلام في معارك «دونكيشوتية» نسجتها التخيلات والأوهام، وظل الكثير من أبطالها يحلمون بالزعامة والمجد الزائف حتى أوشك البلد على الضياع والانهيار إلى غير رجعة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yudzxzhe

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"