بين تاتشر وتراس

00:33 صباحا
قراءة دقيقتين

مفتاح شعيب

تسلمت رئيسة الوزراء البريطانية الجديدة ليز تراس مهامها وانسحب سلفها المثير للجدل بوريس جونسون من «داوننغ ستريت». مع تراس تدخل بريطانيا عهداً جديداً في سياق عالمي مزدحم بالتحولات والتقلبات، بدأت تأثيراته تتجلى في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتفجرة في المملكة المتحدة على غرار الدول الأوروبية الأخرى التي تعاني تضخماً هائلاً وارتفاعاً في فواتير الطاقة يخنق العائلات والشركات والخدمات العامة.

المملكة المتحدة ليست استثناء في هذا الوضع، فجونسون توقع أن تكون الأشهر المقبلة قاسية جداً، تماماً كما كان موقف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حين دعا مواطنيه إلى «توديع عهد الرفاه والاسترخاء» في تهيئة نفسية وسياسية واضحة لما قد يكون غير مألوف اقتصادياً واجتماعياً. وقبل تسلمها مهامها رسمياً، تعهدت تراس بأنها ستقدم «خطة جريئة لخفض الضرائب وتنمية الاقتصاد». وحتى قبل انتخابها زعيمة لحزب المحافظين، ومن ثم رئيسة للوزراء، ورغبة في إحداث تغيير عميق في الأوضاع العامة، علقت نسبة من البريطانيين الأمل على هذه السيدة التي يجري تشبيهها برئيسة الوزراء السابقة مارغريت تاتشر. وقد يكون التشبيه من باب حسن الظن والفأل الطيب، ولكن في المهمات القيادية لا تتكرر الزعامات ولا تستنسخ من بعضها، فلكل طريقته وأسلوبه، وهذه قاعدة كل عمل سياسي تحكمه عوامل وظروف وسياقات وأهداف يجري العمل على تحقيقها. وما ستعرفه بريطانيا في عهد تراس مختلف عن حقبة تاتشر، والنتائج أيضاً ستكون مختلفة، وليس بالضرروة أفضل أو أسوأ، وإنما بناء على ما تفرضه المستجدات من تحديات ومقتضيات للعمل والتحرك.

تاتشر في وقتها، كانت «زعيمة فريدة»، كونها أول سيدة بريطانية تقود الحكومة في ظل الملكة إليزابيت الثانية، وتولت الحكم عام 1979 لمنع الانهيار الاقتصادي للبلاد ولها وقائع مشهودة ضد النقابات، وتمكنت من تحقيق انتعاش نسبي، لعوامل عديدة منها أن بريطانيا كانت تتمتع ب«موقع استثنائي» داخل السوق الأوروبية المشتركة مكّنها من تخفيض مساهمتها في الموازنة والحصول على حوافز اقتصادية، وقد ساعدها ذلك على لعب دور أكبر في المعسكر الغربي أواخر الحرب الباردة التي انتهت بانهيار الاتحاد السوفييتي، بينما خرجت لندن من ضمن المنتصرين مع الولايات المتحدة، وكان ما كان لاحقاً.

اليوم تتولى ليز تراس قيادة بريطانيا، وهي خارج الفلك الأوروبي بعد «بريكست»، الذي كانت من أشد المتحمسين له، والغرب في أسوأ أوضاعه الاقتصادية منذ عقود طويلة، وما أفرزه الصراع في أوكرانيا من تداعيات وضع الجميع في مأزق بعيد القرار، لاسيما أن بريطانيا مع جونسون كانت من أشد الأطراف تشدداً مع روسيا. وهذا التشدد سيكون له ثمن في ظل وضع اقتصادي هش وأزمات كبيرة متوقعة في الأشهر المقبلة بسبب ارتفاع أسعار الطاقة.

وعندما تؤخذ هذه الأوضاع والعوامل في الحسبان، فإن السياق الذي ستحكم فيه تراس مختلف عما كان عليه الحال أيام تاتشر. ووجه الشبه المفترض بين السيدتين بعيد عن التطابق، مثلما لا يتطابق عالم اليوم مع ما كان عليه الحال قبل أربعين عاماً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yeemurd6

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"