شبح فاشي في إيطاليا

00:57 صباحا
قراءة دقيقتين

مفتاح شعيب

في خضم الاستعدادات الإيطالية للانتخابات التشريعية المرتقبة بعد عشرة أيام، تؤكد الاستطلاعات أن اليمين المتشدد قاب قوسين أو أدنى من تحقيق فوز واسع يمكنه من تشكيل حكومة قوية، يرجح أن تتجاوز تأثيرات حدود روما إلى العواصم الأوروبية الأخرى التي تقف عند مفترق طرق جراء التحديات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية التي فرضتها المستجدات الدولية الأخيرة.

المؤشرات الأولية ترجح أن تتمكن جورجيا ميلوني، زعيمة «إخوة إيطاليا» (فراتيلي ديتاليا)، من تزعم تحالف اليمين المكون أيضاً من حزب «رابطة الشمال» المناهض للهجرة بزعامة ماتيو سالفيني، و«فورتسا ايطاليا» بقيادة سيلفيو برلسكوني. وتنظر الأوساط السياسية في إيطاليا ودول الاتحاد الأوروبي بريبة إلى الشعبية المتنامية لميلوني، هذه السيدة الأربعينية الجميلة ذات الميول الفاشية، التي تجأر بانتقادها للاتحاد الأوروبي وتتعهد بانتهاج سياسية براغماتية تجعل الأولوية لمصلحة إيطاليا قبل المصالح المشتركة بين دول التكتل. وبالنسبة إلى النخب الأوروبية الوسطية الحاكمة، فإن صعود اليمين في إيطاليا يعيد شبح الفاشية ويثير تهديدات استراتيجية، لأنه جاء في وقت قاتل، تعاني فيه القارة العجوز أزمتي طاقة وتضخم فادحتين جراء الحرب الدائرة في أوكرانيا. وبموازاة ذلك هناك مخاوف جدية من أن يكون تسلم حكومة يمينية السلطة في روما هدية غير مباشرة تتلقاها موسكو، التي دخلت في صراع مفتوح مع الغرب. ورغم أن الأحزاب المتصدرة لاستطلاعات الرأي، ومنها «إخوة إيطاليا»، لا تجاهر بالمودة لروسيا، لكنها لا تتوافق مع السياسات الأوروبية في فرض العقوبات، التي اعتبرها سالفيني قد ضاعفت فواتير الطاقة أربع مرات في أوروبا، وجعلت خرائن الاتحاد الروسي تمتلئ.

الشعبية المتصاعدة لليمين المتطرف في أوروبا أصبحت أمراً واقعاً لا يمكن تجاهله لأنها نابعة من تغير المزاج العام، ونتيجة طبيعية للتأزم الاقتصادي والاجتماعي الذي قاسته إيطاليا وكل دول أوروبا جراء محنة «كورونا»، ثم تأثيرات الحرب في أوكرانيا. وفي ظل هذه المتغيرات، من الطبيعي أن تظهر طبقة سياسية مختلفة عن الطبقة الحاكمة التي تتحمل المسؤولية عن التدهور الحاصل.

وقبل إيطاليا حقق اليمين المتطرف نتائج تاريخية في فرنسا في الانتخابات التشريعية والرئاسية الربيع الماضي. فحين تشتد الأزمات تنتعش المواقف الراديكالية. وما يمكن أن يحدث في الانتخابات الإيطالية لن يكون مفاجئاً، وسيؤسس لتحولات شديدة الخطورة في الاتحاد الأوروبي.

قبل قرن من الزمان، وفي العام 1922، تزعمت إيطاليا ظهور الفاشية مع زعيمها التاريخي موسوليني، وبعد ذلك بسنوات وبدفع من روما، ظهر الوحش النازي في ألمانيا مجسداً في أدولف هتلر، وقد كان طغيان الأول أقسى من الثاني. وإلى الآن مازالت أوروبا بأجمعها تدفع ثمن تلك الأخطاء. والمؤسف أن العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، التي ساعدت على ظهور الفاشية، أصبحت اليوم تحكم الواقع الأوروبي الذي يواجه أزمة غير مسبوقة وشتاء، ربما لم يعرفه الأوروبيون منذ ظهور الطاقة، بسبب نقص الإمدادات من روسيا. وقبل أسابيع دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى «توديع عصر الرفاه»، وهذه العبارة تلخص انتهاء حقبة، وبداية أخرى لن تكون مع الوجوه نفسها بالضرورة.

[email protected]

 

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2v2fmu2n

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"