حوار: محمد إبراهيم
أكد جمال بن حويرب، المدير التنفيذي ل«مؤسَّسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة»، أن إهمال المعرفة وعلومها، يعد «اختياراً صريحاً» للضعف والتابعية والإملاءات، والعلماء في مختلف المجتمعات صناعة قوية لا تنهض إلا بالإنفاق وتخصيص ميزانيات للبحث العلمي والتطوير ودعم المعرفة؛ فالبلدان التي لا توفر ميزانيات غير قادرة على صناعة العلماء.
وأضاف: «حذرت منذ 5سنوات من مخاطر ندرة الانفاق على البحث العلمي والتطوير، وجاءت «كورونا»، لتكشف تواضع القدرات، وحاجة المجتمعات الماسة إلى البحث العلمي في المجالات أساسية، لمواجهة الأزمات الطبيعية والأمراض والجوائح بقوة المعرفة وعلومها».
وقال في حوار مع «الخليج»: إن الإمارات نجحت في بناء شباب وشابات مواطنين ومواطنات من أجل العلم فحسب، وأجيال لا تعرف المستحيل لتسابق بها الزمن، والرسالة التي ينبغي أن تواجه إلى الحكومات في الوقت الراهن، تركز في مضمونها على أنه «لا غلبة ولا تقدم ولا تميز إلا بالقلم المعرفي»، وهذا نصّ الحوار:
محرك أساسي
البداية كانت مع الوضع المعرفي وتعاطي المجتمعات مع مسارات دعم المعرفة، إذ أكد جمال بن حويرب، في إجابته أن التعاطي متفاوت بين الحكومات، حيث نرى المجتمعات الغربية مستمرة في العطاء والتقدم والبحث والتطوير، ولو تراجعت بعض الشيء في الآونة الأخيرة، ويقابلها «تأرجح لافت» في المجتمعات العربية في التعاطي مع المعرفة وعلومها، إذ تتصدر إشكالية عدم تخصيص ميزانيات للبحث العلمي والتطوير ودعم المعرفة معوّقات وتحديات الحكومات في معظم عالمنا العربي، ولكن هناك دول استفادت من مؤشر المعرفة ونتائجه وتوصياته فتقدمت معرفيا وحققت نتائج مبهرة.
حقائق وإحصاءات
وفي سؤال عن أهمية مؤشر المعرفة العالمي، وكيف يساعد المجتمعات في تقدمها وتطورها معرفياً، أفاد بأن المؤشر يجمع حقائق وإحصاءات واقعية لما أنجزته الدول عربياً وعالمياً في المعرفة، وهناك تقرير مستقبل المعرفة الذي يستشرف مستقبل الدول، ويرسم للمجتمعات خريطة طريق لتحقيق المزيد من التطوير، أو يقدم معالجات وحلولاً للدول المتراجعة بحسب مخرجات المؤشر، فهناك بعض الدول المعرفية الآن، وستأخذ معتركاً معرفياً جديداً في المستقبل.
وشدد على ضرورة تخصيص ميزانية كاملة للبحث والتطوير في «العلوم والاقتصاد والجيش والصحة والسياسة وغيرها»، لتتمكن الدول من صناعة جيل العلماء، فكلما دعمت هذا المسار زاد تطورها وأصبحت عصية على الإملاءات، إذ يكمن سر قوتها وتقدمها في استقلاها بعلمها ومعارفها واقتصادها وخططها ورؤيتها، وإذا أُهملت المعرفة، فاعلم أن الدول اختارت الضعف والتابعية وازدادت عليها الاملائيات.
المعرفة والأزمات
وفي إجابته عن سؤال عن أهمية المعرفة والبحث العلمي لمواجهة الأزمات والجوائح، قال: إن أول مؤشر عالمي للمعرفة في عام 2017، كشف عن فجوة كبيرة في الإنفاق على البحث حتى في الدول المتقدمة، فحذرنا عامي 2019 و2018، من خطورة عدم توفر ميزانيات للبحث العلمي في المجالات الأساسية، فجاءت كورونا «كوفيد19» لتجسد المعاناة وتبلور المخاطر الحقيقية التي هددت سلامة المجتمعات كافة، إذ طالت آثارها دول العالم كافة وبلا استثناء، ما أحدث حراكاً كبيراً في المعرفة والبحث، وضاعفت معظم الدول ميزانياتها لدعم متطلبات البحث العلمي بعد انقضاء أزمة «الفيروس التاجي».
السبيل الأمثل
وفي وقفته مع الشباب وأهمية تأهيلهم للمستقبل بمسارات المعرفة، أكد بن حويرب أن وظائف المستقبل تركز على المعرفة، التي تعدّ السبيل الأمثل لتأهيل الشباب بكل السُّبل والأدوات اللازمة لاغتنام الفرص وتحقيق النجاح والتميُّز في مختلف القطاعات الاقتصادية والصناعية المستقبلية، وممارسة دورهم في مسيرة التنمية الشاملة والمستدامة، وعلى الحكومات تمهيد الطريق أمام الأجيال الشابة، بتوفير سبل الوصول إلى المعرفة وتسخيرها لبناء مستقبلهم، بجمع وتحليل البيانات والاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي للتعرُّف إلى التحديات، وكيفية مجابهتها، فضلاً عن تطوير المهارات الإبداعية والعملية التي تتيح لهم توظيف تطبيقات الثورة الصناعية الرابعة وتطوير وتوسيع مجالات عملها.
قمم ومؤتمرات
وأفاد بأن المؤسسة لا تتعامل مع أفراد بل مع دول، وتركز على القمم والمؤتمرات والتقارير والتحليلات والإحصاءات، لنشر المعرفة، وتسهل عمل الدول، ولا نخفيكم سراً أن هناك تفاوتاً في تفاعل الدول واستجابتها، فهذه دول تهتم برفعة شبابها وتطوير أدائها، وأخرى مشغولة في أمور تتعلق بشؤونها الداخلية، وهناك دول اتخذت من المعرفة درعاً وسلاحاً لمواجهة الحروب الأهلية والانهيار، وأصبحت الآن من أكثر الدول تقدماً وتطوراً، وباتت رقماً صعباً ضمن الاقتصاديات المتقدمة.
وأضاف أن المؤسسة الشريك الوحيد للأمم المتحدة في المنطقة، لدعم الدول معرفياً عبر مؤشر المعرفة العالمي، وتمكينها من التقدم في المؤشر وملء الفرغات وتحديث البيانات والارتقاء بأعمالهم، فهناك دول متقدمة، وبسبب نقص المعلومات تظل متأخرة، وهناك دول غير مهتمة ببعض المعايير، فالمؤشر يقدم إيضاحات بأهمية هذه المعايير، تجيب المؤسسة عن كل استفسارات وتساؤلات الحكومات عن التقدم المعرفي.
حلة جديدة
وفي وقفته مع جائزة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، أكد أنها مستمرة وتعزز مكانتها إقليميا ودولياً، وستنطلق في نسختها المقبل بحلة جديدة واتجاهات معرفية مستحدثة، بتوجيهات سموّ الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم، وستعلن الجائزة خلال ديسمبر المقبل.
تعدّ الجائزة الوحيدة عالمياً التي تقصد مجال المعرفة مباشرة، إذ إن جميع الجوائز، وحتى «نوبل» تركز على مجالات بعينها، ولكن الجائزة التي انطلقت بتوجيهات صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، تشمل العاملين والمتميزين ومقدمي خدمات جليلة في إنتاج ونشر المعرفة أفراداً ومؤسسات، إذ استطاعت تحقق مكانة رفيعة عالمياً، واستلمتها أهم المؤسسات والشخصيات.
وتركز على تحقيق التنمية المستدامة بالمعرفة، والتحفيز على الإبداع والابتكار في نقل ونشر وإنماء المعرفة عالمياً، وتعكس حرص إمارة دبي وقائدها على تكريم الإنجازات المعرفية العالمية التي استطاعت أن تقدِّم الفائدة للشعوب، وتشمل متعلقات المعرفة والتنمية والابتكار والريادة والإبداع، وتطوير المؤسَّسات التعليمية والبحث العلمي، وتكنولوجيا الاتصالات، والطباعة والنشر والتوثيق الورقي والإلكتروني وغيرها.
مستجدات رقمية
وفي إجابته عنسؤال عن مستجدات مركز المعرفة الرقمي التابع للمؤسسة، أكد أنه يضم 14 مكتبة نوعية متخصِّصة، ويوفِّر 3,5 ملايين مادة رقمية، و245,906 عناوين في مجالات المعرفة المختلفة، ووصل عدد الزيارات السنوية للمركز إلى مليون زيارة من 235 ألف مستخدم، وعرض 820 ألف صفحة بمتوسط 2,9 لكل زيارة.
وقال إن المحتوى يتنوَّع ما بين الكتب والمقالات والدراسات والبحوث والمواد التراثية والتقارير والأدلة الإرشادية والفيديوهات والمواد الصوتية، ويتضمّن المؤلفات المعرفية الصادرة عن شركاء المؤسَّسة في إطار شراكة تضمُّ 25 مؤسَّسة.
وكشف تركيز المؤسسة على توسيع آفاق الشراكات مع دور النشر العربية والعالمية في المستقبل، وفق خطط التطوير المستمر التي يتبنّاها المركز لتعزيز حضور المحتوى العربي الرقمي، وتوفير المزيد من الروافد المعرفية العربية والعالمية وتسهيل وصول الباحثين والدّارسين والقرَّاء إليها.
وأفاد بأن المركز يوفر رصيداً معرفياً كبيراً، يتميَّز بتسخير أحدث الابتكارات التكنولوجية لإثراء المحتوى العربي الرقمي في مختلف الميادين وتسهيل الوصول إليه، بما يرسِّخ المكانة الجوهرية للغة العربية في مجال نقل المعرفة في الفضاء الرقمي.
نادي المترجمين
توقفنا خلال الحوار مع نادي المترجمين العرب الذي يُعدُّ من أهم مبادرات المؤسَّسة، إذ أكد بن حويرب أنه أسس إيماناً بدور المترجمين في إثراء المحتوى المعرفي العربي، حيث نوفِّر لهم مساحةً مخصَّصة تمكِّنهم من تبادل المعارف والخبرات وتطوير المنهجيات والأساليب المتَّبعة في الترجمة العربية، لزيادة زخم حركة الترجمة العربية وتعزيز مساهمتها في تمكين مجتمعات المعرفة.
وفي بلورته لأهداف النادي، قال إنه يركز على استقطاب أكبر عدد من المترجمين العرب وتوفير منصة داعمة لهم، وتسهيل الوصول إلى الموارد المعرفية، وتوفير كل السبل والأدوات اللازمة لدعم مسيرتهم في نقل ومشاركة المحتوى المعرفي من جميع اللغات وبمختلف التخصُّصات إلى اللغة العربية، بما يعزِّز النتاج المعرفي العربي.
وأفاد بأن النادي يركز على تشجيع وتسهيل انخراط الكفاءات والمواهب الشابة في مجال الترجمة، من خلال تنظيم ورش العمل التي تتيح للمترجمين المبتدئين تطوير مهاراتهم، وإمكاناتهم في الترجمة، بإشراف فريق من الخبراء والمتخصِّصين، بما يدعم مسيرتهم المهنية، ويضمن رفد مجتمع المعرفة العربي بالمترجمين المبدعين.
مؤشر المعرفة 2023
كشف جمال بن حويرب، إعلان نتائج مؤشر المعرفة العالمي قبل بداية عام 2023، ليمثِّل انطلاقةً قويةً لعامٍ زاخرٍ بالإنجازات في المعرفة؛ وستستضيف المؤسَّسة الدورة الجديدة من قمة المعرفة، كما ستطلق سلسلةً ورش شمولية ومتنوعة تغطّي قطاعات المعرفة كافَّة.
مؤثرات الثورة الصناعية
أكد جمال بن حويرب، أن الثورة الصناعية الرابعة لم تعوّق مسيرة البحث العلمي والتطوير والمعرفة، ولكن الأمر يعود إلى أولويات الحكومات التي اتجهت بشكل لافت نحو الاقتصاديات الرقمية، وهنا ينبغي على المجتمعات عدم إغفال الانفاق على البحث في العلوم التقليدية «الصحة والتعليم والاقتصاد وغيرها» في ظل التطور التكنولوجي وعصر الذكاء الاصطناعي.
الثقافة والمعرفة
أكد جمال بن حويرب، أن الفرق بين الثقافة والمعرفة كما هي الحال بين السماء والأرض، فعندما نتعلم قواعد اللغة من نحو وصرف وبلاغة فهذه معرفة، عندما نحيي أمسية شعرية فهذه ثقافة، وارتياد المسرح ثقافة أيضاً، ولكن بناء المسرح وتقنياته الداخلية تعد معرفة، إذ تتقاطع دائماً المعرفة مع العلم، والثقافة لم تصل بكم قط إلى المريخ.
اختارت العلم
قال جمال بن حويرب إن ازدهار أي دولة عربية يعدّ ازدهاراً للإمارات، التي كانت صحراء منذ 40 عاما، والان باتت ضمن مصاف الدول الأكثر تقدما في مختلف المجالات عالميا، والدولة التي ترغب في التقدم والتطور عليها أن تقتدي بالإمارات التي اختارت العلم والمعرفة ولا تعرف المستحيل.
تحليلات شاملة
يضم مركز المعرفة الرقمي أول محرك بحث للمحتوى العربي، ويتيح حلول المكتبات الرقمية، ويوفِّر منصة متكاملة لتطوير الكتب الإلكترونية وتوزيعها وتسويقها في العالم، ويوفِّر ذاكرةً رقميةً تحفظ محتوى المؤسسات المعرفية العربية وتمكِّنها من بناء منصاتها الرقمية، ويقدِّم تحليلات شاملة لدراسة التوجُّهات القرائية والمعرفية للمستفيدين والباحثين.
