عادي

الكوميديا.. قوة الخشبة الناعمة

00:30 صباحا
قراءة 6 دقائق
من مسرحية ضلع مؤنث سالم العام الماضي

دبي: علاء الدين محمود
منذ انطلاقته في عام 2006، ظل مهرجان دبي لمسرح الشباب، الذي ترعاه وتشرف عليه هيئة الثقافة والفنون في دبي، «دبي للثقافة»، يلعب دوراً فعالاً ومؤثراً في الساحة الثقافية والمسرحية الإماراتية، عبر أعمال وعروض يقدمها جيل الشباب ليراهن ذلك المحفل الإبداعي الكبير، على المستقبل، حيث ينطلق من طبيعة وفلسفة خاصة به مستمدة من رؤية إمارة دبي لأهمية دور الفنون والثقافة في النهوض بالشباب الذين هم أمل الدولة ومستقبلها.

يأتي هذا المهرجان وهو ينتج أفكاراً ومواضيع تخص الشباب وإبداعات الفرق المسرحية في جميع إمارات الدولة التي تنظر إلى الفنون الأدائية وعلى رأسها المسرح باعتباره قوة ناعمة ومشروعاً ثقافياً وطنياً، حيث بات المهرجان شرياناً ورافداً رئيسياً لتزويد القطاع الفني والمسرحي بالمواهب من فئة الشباب، وبالتحديد الفئة العمرية «15 إلى 35»، وهو أول مهرجان يقام لهذه الفئة، ولعب دوراً مهماً في تحقيق الأهداف الاستراتيجية للهيئة في اكتشاف المواهب الشابة في هذه المجالات، وإنتاج العديد من الأعمال المسرحية التي تعتبر منتجاً فنياً وصناعة إبداعية.

مكانة

تأتي النسخة الحالية الثالثة عشر، لتشهد على حجم الإبداع الذي ظل يقدمه المهرجان، ويؤكد في الوقت نفسه إسهامه في تعزيز مكانة دبي ضمن المراكز العالمية للثقافة والإبداع، وكشاهد على الدور الكبير الذي ظلت تبذله وتقدمه الهيئة في الفعل الإبداعي والثقافي عبر العديد من المبادرات، فكان التركيز على المسرح من ضمن الأهداف المركزية، وفق استراتيجية شاملة تهدف إلى تطوير الفنون الأدائية وترقيتها بما يضمن لها مكانة متقدمة وكبيرة، ليس على مستوى العالم العربي فقط، بل والعالمي كذلك، عبر الدعم الكبير والسخي والرعاية الجادة للمسرح والمسرحيين، حيث تسعى الهيئة، من خلال المهرجان، إلى تنمية المواهب المسرحية الشابة في الدولة، عبر منصة تحفز الشباب، من مواطنين ومقيمين، على المشاركة في الدورات العلمية والورش التدريبية المتنوعة، حيث يتم من خلالها إنتاج أعمال مسرحية يتم عرضها خلال فترة المهرجان الذي بات رقماً ثقافياً يسهم في مجالات الصناعات الثقافية والإبداعية على مستوى الفن المسرحي في دبي والإمارات، ويعمل على زيادة المواهب الفنية في مجال المسرح، وتعزيز الوعي الفني، ومدى احترام الفن المسرحي الإماراتي والارتقاء به، ولعل من الجوانب المشرقة إسهام المهرجان في زيادة الإقبال الجماهيري ورفع الذائقة الفنية لجميع شرائح المجتمع.

أنشطة

ولعل المتابع لجميع النسخ السابقة، يقف على حقيقة أن المهرجان منذ انطلاقته مثّل أكثر من مجرد منصة للعرض المسرحي، حيث اشتمل على العديد من الأنشطة التي تخدم الحركة المسرحية بصورة شاملة، من خلال فعاليات مهمة، مثل الملتقى الشبابي المسرحي، والمسرحيات القصيرة، إضافة إلى المعرض المصاحب للمهرجان الذي يحتوي على مسيرته الكبيرة طوال فترة تنظيمه، ويشتمل كذلك على ورش ودورات وتكريم للمتميزين، وذلك يشير إلى أن إدارة المهرجان تسعى به نحو أن يقف في مكانة متميزة ليلعب دوراً حقيقياً في إثراء الساحة الثقافية، ودفع الحركة المسرحية في الدولة إلى الأمام.

تطور

ولعل الملاحظة الواضحة والجديرة بأن تذكر، أن المهرجان ظل يتطور من دورة إلى أخرى على مستوى العروض والأهداف والرؤى والأفكار التي تغذيه، فعلى الرغم من أن النسخة الفائتة في 2021، جاءت بعد توقف بسبب جائحة كورونا، إلا أنها وقفت شاهداً على مكانة المهرجان وتطوره، حيث كانت نسبة المشاركين هي الأعلى في تاريخ هذا المحفل المسرحي الكبير، وضمت مجموعات وفرق من مختلف أنحاء الإمارات، لتأتي الدورة الحالية وهي تحقق تطوراً جديداً، حيث نجحت هذه النسخة في استقطاب 6 مسارح أهلية من مختلف أنحاء الدولة، وذلك يشير إلى الجهود الكبير التي ظلت تقدمها «دبي للثقافة»، في تطوير النسخة الحالية لتتناسب مع رؤيتها واستراتيجيتها، حيث تم الاتفاق على فتح المجال للمخرجين المواطنين ضمن العمر المحدد والذين يمتلكون شركات إنتاج فني خاصة للمشاركة بعمل مسرحي شبابي بنسبة 20 في المئة، كما أدخلت العنصر الشبابي في اللجان الخاصة بالمهرجان؛ أي لجنة المشاهدة ولجنة التحكيم، بنسبة 10 في المئة. كما تسعى الهيئة خلال هذه النسخة إلى التطوير والتجديد على مستوى جميع عناصر الأعمال المسرحية المشاركة، الأمر الذي من شانه أن يُسهم في زيادة المواهب الفنية في مجال المسرح في دبي، والنهوض بالفنون المسرحية الإماراتية، والارتقاء بمستوى الوعي بأهمية المسرح والذائقة الفنية لهذا الفن لدى جميع شرائح المجتمع، وزيادة الإقبال على الحضور، وصولاً إلى تحقيق تطلعاتنا إلى خلق بيئة إبداعية مستدامة للفنون المسرحية في دبي، بما يعزز إسهامها في تنمية الاقتصاد الإبداعي.

ولعل من أهم الأشياء الجديدة والمستحدثة في نسخة العام الحالي من المهرجان، أن جميع الأعمال المسرحية المقدمة في هذه الدورة، والدورات القادمة، ستتسم بطابع كوميدي هادف، وذلك الأمر يشكل منعطفاً جديداً في مسيرة المهرجان الكبيرة، ونقلة تقف خلفها رؤية تتمثل في إرادة تعزيز دور المسرح الاجتماعي، واجتذاب الجمهور بشكل أكبر، لكن بوعي ومسؤولية، إذ غالباً ما تحظى الأفكار الهادفة المصوغة بقالب كوميدي شائق بإقبال أكبر من الجمهور، الأمر الذي يعد انتصاراً للفكاهة باعتبارها أحد أهم الأنماط والأنواع المسرحية، ولعل ذلك الأمر يعيد الاعتبار للعروض الكوميدية التي ظلت لا تجد اهتماماً من المهرجانات الكبيرة، والتي ظلت على الدوام تستهدف الأعمال النخبوية، وذلك الاتجاه من قبل «دبي للثقافة»، نحو الاهتمام بالعروض الكوميدية الراقية والهادفة بعيد إلى الأذهان بدايات «أبو الفنون»، حيث كانت العروض تقدم فرجة تعتمد على التسلية والفكاهة والسخرية والضحك من أجل رسم البسمة على وجوه المتلقين، ولكن، في الوقت نفسه، تحمل موضوعات مهمة ورسائل حقيقية تحمل الهمّ الاجتماعي وتعمل على هزيمة البؤس والشقاء ونشر الجمال والحب، وبالفعل فقد وجد ذلك الاتجاه تأييداً كبيراً من النقاد والمشتغلين في المسرح الإماراتي، حيث إن الكوميديا هي من أصعب أنواع وأشكال الفنون المسرحية.

ومن ضمن الأفكار والمقترحات الجديدة كذلك، استمرار عرض الأعمال المسرحية في المحافل الفنية والثقافية داخل الدولة بعد انتهاء المهرجان؛ كي تحظى بأكبر فرصة من المشاهدة، ولإتاحة الفرصة لأكبر عدد من الجمهور للاستمتاع بها، وذلك الأمر من شأنه أن يحرك الساحة المسرحية بصورة كبيرة، ويجعل الفعل الإبداعي المسرحي مستمراً لا ينحصر في المواسم فقط، وهو أمر من شأنه أن يرفع من قيمة المهرجان أكثر، ويعلي من شأن العروض التي يقدمها باعتبارها تصبح أقرب إلى الجمهور من خلال استمراريته، وذلك أيضاً ضمن فلسفة المهرجان الذي يعمل على مستويين، الأول هو جانب الشباب، حيث يعتبر هو المتنفس الوحيد للفئة الشبابية لإظهار إمكانياتها الفنية على خشبة المسرح الواقعي، أما الجانب الثاني فهو الجمهور حيث يعمل المهرجان على استقطاب أكبر عدد من المتلقين عبر أعمال مميزة وراقية.

رموز

ولعل من الإشراقات الكبيرة في المهرجان، ذلك الاهتمام برموز ورواد الحركة المسرحية الإماراتية، باعتبارهم الأعمدة والروافع التي نهض بها «أبو الفنون» في الدولة، حيث يعمل المهرجان على تعريف المجتمع بهم تقديراً لجهودهم الرائدة في تعزيز المشهد المسرحي والفنّي والثقافي، في دبي والإمارات، وضمن تلك المعاني الرفيعة، منحت هيئة الثقافة والفنون في دبي، الفنانة والممثلة سميرة أحمد لقب «شخصيّة العام المسرحيّة» في الدورة الحالية من المهرجان، تكريماً لمسيرتها الفنيّة الحافلة بالإنجازات، وتقديراً لمساهماتها في الارتقاء بالمسرح الإماراتي، حيث تعتبر المكرمة إحدى العلامات الدرامية في الدولة، وأيقونة للمرأة الإماراتية المبدعة والمحترفة في مضمار الفنّ والمسرح، فالفنانة سميرة أحمد صاحبة إسهامات كبيرة في الحراك المسرحي، ولم تتوقف عن العطاء منذ بداياتها الأولى في عالم الفنّ منذ سبعينات القرن الماضي، حين انضمت إلى مسرح دبي الشعبي، وعملت طوال مسيرتها على تقديم كلّ ما تملك من مواهب ومهارات، إيماناً منها بدور الفن في تطوير المجتمعات، وتقديم رسائل سامية في مختلف مجالات الحياة، وحققت نجاحات كبيرة في الساحة الخليجية والإماراتية على وجه التحديد، واستطاعت أن تحصد العديد من الجوائز ذات الصلة، وبصماتها الفنيّة ستبقى ملهماً لأجيالٍ جديدة من الفنانين في مختلف أنواع الفنّ، وتحديداً فنون المسرح.

ولعل كل تلك الإنجازات التي حققتها الهيئة في سبيل إنجاح الدورة الحالية، تحمل مؤشراً كبيراً في الاحتفاء بالمهرجان وأهمية رسالته تجاه الشباب والجمهور، ويؤكد المكانة الكبيرة التي بات يحتلها في قلوب عشاق هذا الفن الخالد، وسيضرب الجمهور موعداً مع المتعة والفرجة الراقية من خلال عروض المهرجان.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/rjuu29hy

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"