الأخلاق.. العلم الغائب

00:43 صباحا
قراءة دقيقتين

يحيى زكي

لاحظ محمد عابد الجابري ذات يوم، ضعف التأليف في علم الأخلاق في الثقافة العربية الحديثة. وربما باستثناء كتاب «الأخلاق» للنهضوي أحمد أمين، تكاد مكتبتنا تخلو من التأليف في هذا العلم، وبدوره يلاحظ قارئ كتاب الجابري الموسوعي «العقل الأخلاقي العربي»، ذلك الذي أورد في مقدمته ملاحظته السابقة، أن مؤلفه تورط أكثر في السياسة، تلك التي تبتلع مباحثها في الكتاب الأخلاق، بحيث جاء الكتاب محملاً برؤى وأطروحات تتعلق بطبيعة العلاقة بين النخب والسلطة من ناحية والبشر العاديين من ناحية أخرى، هذه العلاقة تمنح الأولوية المطلقة للسياسة من زاوية تأثيرها في أخلاق البشر.

والسؤال الذي يفرض نفسه في هذه المسألة: لماذا لا تولي الثقافة العربية أهمية لموضوع علم الأخلاق؟ من جهة طرحه فلسفياً والتنظير له.

حسب التقسيم المعرفي ينتمي علم الأخلاق إلى حقل الفلسفة، وبضاعة العرب فيها خلال العصر الحديث لا تدعو إلى الفخر، بل لقد عقدت الكثير من الندوات والمؤتمرات التي تسأل: لماذا لا توجد فلسفة عربية حديثة؟ أو كيف يمكن تحقيق الاستقلال الفلسفي؟ وتمادى البعض خلال إحدى الفترات فتحدث عن فلسفة عربية أو أطلق حلمه «نحو فلسفة عربية»، ولم تكن تلك المؤتمرات بما تطرحه تتعرض من قريب أو بعيد إلى علم الأخلاق.

وبحسب التقسيم الكلاسيكي لتيارات الفكر العربي الحديثة: كلاسيكية وليبرالية وعلمانية، سنجد الأخلاق مسألة غير مفكر فيها ومحسومة بناءً على توجه وروح كل تيار، فالتيار الأول، يعتبر الأخلاق منظومة القيم التي تستمد أصولها وفصولها من الدين والعادات والتقاليد، وبالتالي هي لا تحتاج إلى تنظير أو تفكير، وهي محفوظة في حكم الأجداد ووصاياهم، مع أن تأمل مصفوفة المفردات السابقة يخبرنا عن اختلاف شديد بين الأخلاق من ناحية والدين أو العادات والتقاليد من ناحية أخرى.

أما التيار الليبرالي فاعتبر الأخلاق ممارسة اجتماعية تخضع لتقلبات وتحولات المجتمع ومدى انفتاحه على الآخرين، وارتكنت بعض الأطياف العلمانية إلى مفهوم الحداثة في التعاطي مع الأخلاق، فكلما ترسخت مبادئ الحداثة بما تحمله من قوانين وحريات شخصية في المجتمع، كلما انعكس ذلك في منظومته القيمية، وحتى إذا ذهبنا إلى اليسار سنجده قد منح البطولة في مسار الأحداث وحراك المجتمع إلى العامل الاقتصادي، وتعاطى مع أخلاق كل طبقة بشكل منفرد بحسب تأثر رؤيتها للعالم وسلوكها فيه بوضعها المادي.

علم الأخلاق يتيم في الفكر العربي الحديث، فهو في الأصل علم أو نظرية متكاملة الأركان، لها أعلامها وأطروحاتها ومدارسها، سنجد ذلك في الفكر الغربي القديم والحديث أو بعض كتابات التراث العربي، تؤثر فيها جميع العوامل التي سبقت الإشارة إليها ولكنها تمتاز برؤية أشمل وأكثر تماسكاً واتساعاً من تلك العوامل. علم الأخلاق يحتاج إلى منهج يأخذ في الاعتبار مقدمات العلم النظرية والتحولات المتلاحقة التي تعيشها المجتمعات العربية.

الأخلاق علم لا يمكن أن يترك للممارسات الفردية أو المؤثرات المختلفة من دون تأصيل.

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/wvpv543s

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"