سياسات التقشف المدروسة

21:16 مساء
قراءة دقيقتين

د. لويس حبيقة

لتقييم سياسات التقشف هنالك معايير ومؤشرات. اليونان وأيسلاندا عانتا من أزمات مالية حادة مماثلة ومارستا التقشف. عالجت اليونان أزمتها عبر التقشف الحاد على كل شيء برعاية أوروبية ودولية بما فيه الأمور الصحية والاجتماعية. أيسلندا لم تطبق التقشف على الصحة بل فقط على الأمور المادية من بنية تحتية وغيرها. ماذا كانت النتيجة؟ في اليونان زادت نسبة الأمراض المزمنة الخطرة 52%، تضاعف الانتحار مرتين، زادت جرائم القتل وعادت الملاريا. ارتفع عدد الوفيات أيضا نتيجة التقشف الصحي والاجتماعي. في أيسلندا كانت النتائج معاكسة في كل المؤشرات الصحية والوفيات، والسبب هو حفاظها على الإنفاق الصحي والاجتماعي. كذلك الأمر في السويد حيث انحدر عدد حوادث الانتحار خلال الأزمة المصرفية بسبب الحفاظ على الإنفاق الصحي والاجتماعي. النضج الاسكندنافي في الحفاظ على حقوق المواطن والحريات واضح وفريد.

أهم مؤشر لنجاح أو فشل السياسات الاقتصادية هو تأثيرها في العمر المرتقب. لذا مواطنو الدول المتقدمة يعيشون مدة أطول بسبب المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية المتقدمة خاصة الصحية. حتى داخل الدول، يختلف العمر المرتقب بين مدينة وأخرى تبعا للأوضاع المعيشية. ضمن المدينة الكبيرة، هنالك فارق بين قسم وآخر تبعاً للأوضاع الاجتماعية. واقعاً تنعكس السياسات المختلفة على مجموعة المؤشرات المادية التي تنعكس بدورها على العمر المرتقب.

في اليابان، يبلغ العمر المرتقب 85 سنة منه 88 للسيدات و 82 للرجال. في سويسرا، 84 سنة منه 86 للسيدات و 82 للرجال. في الدول العربية وعلى سبيل المثال، مقارنة نتائج دول مجلس التعاون وخارجه واضحة لمصلحة الخليج. في كل الدول، العمر المرتقب للسيدات أطول من الرجال والأسباب صحية واجتماعية وبيولوجية. بين الدول الفقيرة، نذكر مثلا إثيوبيا حيث العمر 68 سنة، منه 70 للسيدات و 66 للرجال. ما يدعو للعجب هو أن دولا لها مؤشرات صحية متدنية، لها في نفس الوقت طموحات كبيرة كإثيوبيا التي تتحدى مصر والسودان بالنسبة للمياه والسدود بدلا من أن تركز كل جهودها على التنمية.

حتى في فترات الأزمات الاقتصادية، من الممكن أن تتحسن المؤشرات الصحية إذا لم يطالها التقشف. في الأزمات، تحاول الحكومات الجدية دراسة مصادر الهدر الصحي ومعالجتها كما يتم النظر إلى التفاصيل ومعالجة الخلل. لذا من الممكن أن يصبح النظام الصحي أفعل ومنتج أكثر في زمن الركود والأزمات.

الركود يؤذي، لكن التقشف غير المدروس يمكن أن يكون قاتلاً للمجتمع والإنسان. التقشف الفوضوي يمكن أن يسبب وفيات لا يمكن التعويض عنها. أسواق المال ترتفع وتسقط ويمكن تعويض الخسائر، أما حياة الإنسان فلا تعوض. الصحة الاقتصادية والصحة النفسية مهمتان جداً في نفس الوقت، وهذا ما تجاهله العديد من الدول في فترة الركود الكبير 2008 - 2009 والأزمات الأخرى الحادة. هل تتعلم الحكومات من التجارب الماضية، فتقوم بترشيد بعض الإنفاق والمحافظة على البعض الآخر؟ ترتبط النتيجة ليس فقط بالمنطق بل بمدى كفاءة المسؤولين وبعدهم عن الفساد.

* كاتب لبناني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yrr6zxn4

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"