وجه برازيلي لـ «الكابيتول»

00:44 صباحا
قراءة دقيقتين

يونس السيد

إذا كان التاريخ يعيد نفسه، كما يقولون، فإن أوضح صورة لهذه العودة يمكن أن تتجلى في البرازيل، بعد أسبوع واحد من تنصيب لولا دا سيلفا رئيساً للبلاد، للمرة الثالثة، في غضون نحو عقدين، عبر هجوم أنصار الرئيس السابق جايير بولسونارو على القصر الرئاسي، ومقرّي الكونغرس والمحكمة العليا في العاصمة برازيليا، بالتزامن مع ذكرى هجوم أنصار ترامب على مبني الكابيتول في واشنطن.

قد تتشابه السيناريوهات في كثير من مناطق العالم، لكن ليس إلى أدق التفاصيل الأساسية كما في الهجوم على مؤسسات السلطة البرازيلية العائدة للتو إلى أحضان الديمقراطية بعد فترة حكم اليمين الشعبوي المتطرف بقيادة بولسونارو منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2018، وما حدث في واشنطن مطلع عام 2021 إثر خسارة ممثل اليمين الشعبوي المتطرف لدى الجمهوريين الأمريكيين دونالد ترامب للانتخابات الرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، ثم ذهاب أنصاره للهجوم على مبنى الكابيتول. لن نتحدث كثيراً عن الفوارق الشاسعة التي شهدتها البرازيل خلال فترتي حكم لولا دا سيلفا بين 2003 و2010 وخلال عهد بولسونارو. يكفي أن نشير إلى أن لولا عندما تسلم مهامه في ولايته الأولى، تمكن من ترويض التضخم الهائل الذي ورثه عن سلفه فرناندو كاردوزو، من ألفين في المئة في أواسط تسعينات القرن الماضي إلى أقل من 10 في المئة مع نهاية تلك الولاية في 2010، عبر برنامج سمح له بتحقيق إنجازات اجتماعية واقتصادية هائلة، وتقليص عدد الفقراء في البلاد من 100 مليون إلى 50 مليوناً، ناهيك عن التقدم الاقتصادي والصناعي الكبير، وتالياً الانضمام إلى مجموعة «بريكس» التي تضم روسيا والصين والهند، وتكريس البرازيل عضواً فاعلاً في الساحة الدولية. أما اليوم فقد تزايد عدد ملايين الفقراء في عهد بولسونارو أكثر مما كان عليه الحال قبل ولاية لولا الأولى، وأصبحت 5 في المئة من الطبقة الاجتماعية المتنفذة تسيطر على 95 في المئة من مقدرات البلاد التي عادت إلى العزلة الدولية.

وربما لا يتسع المجال للحديث عن حملات الاضطهاد والقمع التي تعرض لها لولا وأنصاره في حزب العمال، في عهد بولسونارو، بعد أن تم تشويه صورته واتهامه بالرشوة والفساد وزجه في السجن إلى أن تمت تبرئته في نهاية المطاف. لكن بالعودة إلى سيناريو الهجوم على مقرات السلطة في البرازيل، وعلى الرغم من محاكاته للهجوم على مبنى الكابيتول الأمريكي، فإنه ليس معزولاً عن صعود وتمدد اليمين المتطرف وأيديولوجياته الشعبوية القائمة على التفوق العرقي والتمييز العنصري، والتي في الأغلب تتسم بالعنف؛ بهدف الوصول إلى السلطة في مختلف قارات العالم، وليست ظاهرة حركة «مواطني الرايخ» في ألمانيا، وصعود اليمين المتطرف في الكثير من الدول الأوروبية، مروراً بأمريكا وأنصار ترامب، إلى البرازيل وأنصار بولسونارو في أقصى اليمين القومي المتطرف، ظواهر يمكن أن تشكل تهديداً حقيقياً لكل الديمقراطيات في العالم، وربما تتشارك مع «داعش» في منطقتنا؛ من حيث استعدادها لاستخدام العنف من أجل السلطة، وإخضاع المجتمعات بالقوة لرؤاها الظلامية، وهنا مكمن الخطورة.

[email protected]

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3cndrjb4

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"