«شل» تعاقب صناعة النفط والغاز البريطانية

21:39 مساء
قراءة 3 دقائق

د. محمد الصياد*

احتجاجاً على قرار الحكومة البريطانية زيادة ضريبة الإيرادات غير المتوقعة “Windfall tax” من 25% إلى 35% على أرباح شركات النفط والغاز العاملة في بحر الشمال، ومد أجلها من نهاية 2025 إلى 2028 – قررت شركة شل البريطانية سابقاً، حتى ديسمبر 2021، ( رويال داتش شل)، إعادة النظر في خطة إنفاقها حوالي 25 مليار جنيه استرليني على أنشطة الاستكشاف والتنقيب في بريطانيا على مدار عشر سنوات. أكد ذلك، ديفيد بانش، رئيس شركة شل في بريطانيا، أمام المؤتمر السنوي لاتحاد الصناعة البريطانية في برمنغهام، حيث ذكر بأن زيادة الضريبة غير المتوقعة على منتجي النفط والغاز، ستدفع الشركة لإعادة تقييم استثماراتها في بريطانيا، معتبراً أنه «عندما تفرض ضرائب أكثر، سيكون لديك دخل أقل في جيبك، وأقل للاستثمار».

والحال، أن الحكومة البريطانية تواجه عجزاً هائلاً في موازنتها (تخطِّي إجمالي قيمة النفقات إجمالي قيمة الإيرادات، وهو ما يمثل صافي المبلغ الذي يجب أن تقترضه الدولة لسد هذه الفجوة)، بلغ في الربع الأول فقط من عام 2022، 15.8 مليار جنية استرليني، أي ما يعادل 2.6% من إجمالي الناتج المحلي البريطاني. في ذات الوقت، فإن شركات النفط والغاز البريطانية، وتحديداً شركة «شل» وشركة «بريتش بتروليوم»، حققتا أرباحاً غير متوقعة بفضل أسعار النفط المرتفعة. فقد حققت شركة «بريتش بتروليوم» خلال 3 أشهر فقط من عام 2022 (يوليو وأغسطس وسبتمبر)، من عملياتها في جميع أنحاء العالم، أرباحاً بلغت 7.1 جنيه استرليني؛ وهو ما يزيد على ضعف أرباحها لنفس الفترة من عام 2021. وكانت قد حققت في الأشهر الثلاثة السابقة (حتى يونيو 2022)، 6.9 مليار جنيه استرليني. فيما أعلنت شركة «شل» العالمية عن أرباح لنفس الفترة، بلغت 8.2 مليار و9 مليارات جنيه استرليني توالياً. وقامتا بزيادة توزيعات الأرباح على مساهميهما، كما أنفقتا مليارات الجنيهات لإعادة شراء أسهمهما من السوق من أجل زيادة قيمتها.

وهذا ما يجعل تحصيل ما تسمى بضريبة الأرباح الفائضة (فوق المتوقعة) أو المفرطة، بزيادة نسبتها بواقع 10% (من 25 إلى 35%)، أمراً منطقياً ومتسقاً مع الممارسة البريطانية المعمول بها في هذا المجال. حيث سبق أن تم فرض ضريبة مفاجئة لمرة واحدة على بعض الودائع المصرفية كجزء من ميزانية عام 1981 في عهد مارغريت تاتشر؛ كما فرضت حكومة توني بلير في عام 1997 ضريبة الأرباح المفاجئة على شركات المرافق المخصخصة؛ وفي عام 2022، قررت حكومة بوريس جونسون فرض ضريبة غير متوقعة على شركات الطاقة للمساعدة على تمويل حزمة تخفيف أزمة تكلفة المعيشة المتفاقمة في البلاد. وتتوقع الحكومة أن فارق ضريبة أرباح الطاقة “Energy Profits Levy” الجديدة سيوفر للخزينة البريطانية 40 مليار جنيه.

ومع أن الزيادة الضريبية الجديدة تستثني معظم الاستثمارات الجديدة في مشاريع النفط والغاز، إلا أن ذلك لم يكن كافياً لتسجيل شركة «شل» تحفظها على القرار، من خلال التلويح بخفض استثماراتها الجديدة في القطاع، معتبرة أنه كان يجب تصميم ضريبة أرباح الطاقة “EPL” لتوفير حوافز للتعامل مع نقص إمدادات النفط والغاز والاستثمارات طويلة الأجل في مصادر الطاقة المتجددة؛ وأن يتضمن قانون حماية البيئة توفير «دعامة للسعر» في حال انخفضت أسعار النفط بشكل حاد، إضافة إلى توسيع نطاق القانون ليشمل الاستثمارات في توليد طاقة الرياح، وتكنولوجيا احتجاز الهيدروجين والكربون.

على الأرجح، كانت شركة «شل»، وكذلك «بريتش بتروليوم»، على علم بخطة الحكومة البريطانية، أو على الأقل بنواياها، رفع نسبة ضريبة الأرباح المفرطة. فهي إذا لم تكن قد حصلت على معلومات مسربة إليها من داخل أروقة مطبخ القرار الحكومي، فإنها تحسستها على الأقل وهي تكسب أرباحاً فوق ما كانت تتوقعه «بفضل» ارتفاع أسعار النفط والغاز العالمية في العام الماضي. ولذلك، عمدت، على الأرجح أيضاً، إلى «تطعيم» خطتها المعلنة (الدعائية) لإنفاق ما بين 20 و25 مليار دولار على قطاع الطاقة البريطاني، ببعض الاستثمارات الموجهة للطاقة المتجددة (طاقة الرياح البحرية تحديداً)، وشحن المركبات الكهربائية، والهيدروجين، من أجل لفت نظر الحكومة والأوساط المناخية النافذة، بجديتها في التحول الطاقوي، بما يجنبها الضريبة الفجائية المستحقة على أرباحها الفائضة. من دون أي اعتبار للأزمات الاقتصادية والمالية والمعيشية التي تجتازها البلاد والتي تتطلب إجراءات استثنائية، وغير شعبية لدى أوساط قطاعات المال والأعمال. وهذا لا يستقيم بالتأكيد مع مبادئ الاستدامة والتنمية المتوازنة.

* خبير اقتصادي بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2mzpv33m

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"