رغيد جطل
نسمع كثيراً أن فلاناً حاز المجد، ولو وقفنا متأملين في كلمة المجد، لوجدنا أنها تحمل دلالات عدة، كما أنها تتفاوت من مجال إلى آخر، فقد تكون حيازة المجد في أمر ما، ليس بأهمية حيازته في آخر. ومن الصعب؛ بل من المستحيل أن يتمكن الإنسان من حيازة المجد في الجوانب كافة، حتى أنه في المجال ذاته ليس بمقدوره، الوصول إلى ذروة المجد؛ لذا حينما نقول: إن فلاناً حاز المجد فهو من قبيل المجاز، أما الوصول الحقيقي للمجد فهو مستحيل، وعدم التمكن من الوصول إلى المجد ليس تقصيراً من الإنسان، وإنما مرده إلى أن طبيعة الإنسان الضعف، ومهما سعى فلن يتمكن من الوصول إلى الكمال المطلق.
المجد صفة تدل على الرفعة والعلو والعظمة، وتطلق مجازاً على البشر، واسم الفاعل منها الماجد وصيغة المبالغة المجيد. وبما أن العقل يجد أنه من المستحيل أن يصل الإنسان إلى مرتبة المجد، فمن المستحيل أكثر أن يصل إلى مرتبة الماجد، ومن غير المعقول أن يصل إلى المجيد، فالمجيد كمال مطلق في الكرم والعلم والرحمة والمغفرة؛ لذا من أسماء الله الحسنى المجيد، فهو سبحانه صاحب الكمال المطلق في كل شيء.
وللعلماء في اسم الله المجيد أقوال عدة منها ما قاله الخطابي: المجيد: هو الواسع الكرم، وقال ابن كثير: المجيد هو الحميد في جميع أفعاله وأقواله، محمودٌ ممجدٌ في صفاته وذاته، وقال الشوكاني: مجيد كثير الإحسان إلى عباده، بما يفيضه عليهم من الخيرات، وقد ورد اسم الله المجيد مرتين: في قوله تعالى: «رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ»، هود: 73، وقوله سبحانه: «وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ * ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ»، البروج: 14 – 15.
المجيد سبحانه إذا أعطى أدهش، المجيد ذو مغفرة واسعة وذو رحمة مطلقة، ولكي يدرك العبد معنى اسم الله المجيد، لا بد أن يتفكر في قدرة الله في هذا الكون، فحينما يرى الانتظام في السماوات والأرض، فالشمس تجري في مسار والقمر في آخر من دون أي اصطدام بينهما، وحينما يرى الليل والنهار والدقة في تعاقبهما يصل إلى حقيقة أن خالق هذا الكون عظيم قوي قادر مقتدر، فإذا أدام التأمل وقلّب نظره في ملكوت الله ورأى عجائب قدرته وعظيم صنعه ثم نظر إلى نفسه واجتراحه للمعاصي وتقصيره في حق الله ثم كيف يعفو الله عنه ويرسل له في طريقه من يذكره بالله لأدرك معنى اسم الله المجيد المتصف بالعفو والمغفرة مع القدرة على من عصاه.
