الهند وتمكين المرأة

22:42 مساء
قراءة 4 دقائق

أنيتا زايدي*

طوال مسيرتي المهنية، رأيت العديد من الأمثلة على تجاوز الصعاب والإنجازات غير العادية للأفراد الذين يسعون إلى حل مشكلة ما داخل المجتمع. وفي أفضل الحالات، تنسق اللجان المحلية والحكومة والقطاع الخاص، وتستثمر في البرامج والسياسات بهدف خلق المزيد من الفرص لها كي تزدهر. ومع بداية العام الجديد، وأنا أفكر في بعض القرارات والحلول بخصوص ما الذي يتطلبه الفرد، أو المجتمع ليكون فاعلاً في عالم مملوء بالتحديات والعقبات التي لا تنتهي.

وهنا لا بد من الإشارة إلى إحدى أفضل النتائج، وهي النجاح الاستثنائي لمجموعات المساعدة الذاتية للنساء في الهند، والتي أسستها نساء عازمات على بناء مستقبل أكثر إشراقاً لأنفسهن ولأسرهن، وازدهرت بفضل الدعم الحكومي المبتكر في المال والبنية التحتية. ومع انخراط أكثر من 80 مليون امرأة في 7.5 مليون مجموعة من هذا القبيل، تعمل الهند على تعزيز أكبر برنامج لتنمية المجتمع في العالم، والذي يعد الآن مكوّناً رئيسياً لاقتصاد البلاد.

تواجه النساء الهنديات، لا سيما في المناطق الريفية، حواجز قائمة على النوع الاجتماعي، تحد من المشاركة الكاملة في مجتمعاتهن وبناء سبل العيش. فالكثير منهن، ممن لسن قادرات على فتح حساب مصرفي أو الوصول إلى الائتمان، يعتمدن على القروض غير الرسمية من الأقارب أو الأصدقاء أو مقرضي الأموال. علاوة على ذلك، قد تمنع الهياكل العائلية التقليدية والأعراف الاجتماعية النساء من المشاركة في الأنشطة الضرورية لبدء، أو توسيع مشروع صغير.

وقد تم تشكيل مجموعات المساعدة الذاتية لأول مرة في منتصف الثمانينات لمعالجة هذه الحواجز من خلال توفير الوصول إلى المدخرات والائتمان، حتى تتمكن النساء من كسب لقمة عيشهن وانتشال أنفسهن وعائلاتهن من الفقر. والنتائج تتحدث عن نفسها، إذ ساهمت تلك المجموعات النسائية في خفض معدلات الفقر بشكل كبير في الهند، من 55.1% إلى 16.4% أي نحو 415 مليون شخص، على مدى السنوات ال 15 الماضية.

في البداية، كانت مجموعات المساعدة الذاتية الجديدة تعتمد على أعضائها لجمع الأموال القليلة اللازمة للانطلاق، ومن ثم تدخلت الحكومة الهندية للتخفيف من هذه المصاعب عبر تقديم قروض مالية من دون الحاجة إلى ضمانات من كيان تجاري رسمي. والأهم من ذلك، يتم تقديم هذه القروض بسعر فائدة تنافسي للغاية. ومع هذا الدعم، تمكنت مجموعة المساعدة الذاتية من اقتراض نحو 200 ألف روبية (2500 دولار) في المتوسط لكل منها، وفي عام 2021 تمت زيادة الحد الأقصى لتلك القروض من 10 آلاف دولار إلى 25 ألفاً.

وعلى مدى العقد الماضي، تم توفير أكثر من 60 مليار دولار لمجموعات المساعدة الذاتية في الهند، وتمكنت النساء في تلك المجموعات من توفير ما يقدر بنحو 6 مليارات دولار بشكل تراكمي. وبالتالي ساعد الحصول على قروض منخفضة الفائدة عدداً متزايداً من النساء على خلق مصادر مستدامة للدخل، وتجميع الأصول والمدخرات، وبناء أمنهن المالي الذاتي. كما عزز أعضاء المجموعة الأفراد الآخرين ثقتهم بأنفسهم أكثر وتأثيرهم داخل المجتمع، فضلاً عن تطوير مهاراتهم المالية.

على سبيل المثال، تمكنت إحدى مجموعات المساعدة الذاتية في قرية تشاك سينغار في ولاية بيهار، من هيكلة مشروعها الخاص بحيث يتم منح كل عضو فيها 3000 إلى 4000 روبية شهرياً. ولكل امرأة قصتها الخاصة، فهناك اللواتي سجلن أطفالهن في مدارس خاصة، ومنهن من عدن من جديد لمقاعد الدراسة للحصول على درجة البكالوريوس، كما بدأت مجموعات نسوية أخرى أعمالاً تجارية طموحة تسمح بتوظيف الآخرين في المستقبل القريب.

قِس هذه القصص على ملايين الهنود في البلاد لتعرف وتقدّر حجم التأثيرات الكاملة والكامنة وراء هذه المجموعات. ونظراً لأن كل امرأة تساهم بشكل أكبر في دخل الأسرة، فإنها تكتسب دوراً أكبر في قراراتها. وبالتالي، أصبح لها تأثير أكبر في التعاطي مع أحد أهم التحديات التي تواجه المساواة بين الجنسين، وهو زيادة القوة الاقتصادية للمرأة.

ونعلم أن زيادة القوة الاقتصادية للمرأة يعزز مكانتها الشخصية ويمكّنها من لعب دور أكبر في عائلتها ومجتمعها. وتُظهر مجموعات المساعدة الذاتية التي تدعمها الحكومة الهندية الآثار التحويلية لمبادرات السياسة المصممة لتلبية احتياجات النساء المهمشات، والمهمة الجديدة الآن هي تكرار هذا النجاح.

ختاماً، يجب أن تكون الأهداف المستقبلية لمجموعات المساعدة الذاتية للنساء في الهند واضحة، وعلى رأسها إتاحة الائتمان لأكبر شريحة ممكنة مع كلف ميسرة، وبناء المهارات المالية اللازمة للمرأة. فعند النظر إلى تفاصيل أداء هذه المجموعات، نرى التفاني الذي يبذله جميع أصحاب المصلحة للمضي قدماً عبر القطاعات الاقتصادية والولايات والتنسيق مع المنظمات الأخرى للجمع بين الأشخاص والموارد والأدوات اللازمة لتحقيق النجاح على نطاق واسع.

ويمكن تفعيل صيغ العزم والتعاون والإرادة السياسية لهذه المجموعات لتجاوز جميع الحواجز المستعصية الأخرى التي تعوق المساواة بين الجنسين.

* رئيسة قسم المساواة بين الجنسين في مؤسسة «بيل وميليندا غيتس» (بروجيكت سينديكيت)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yck2b94w

عن الكاتب

رئيسة قسم المساواة بين الجنسين في مؤسسة «بيل وميليندا غيتس»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"