التواجد في مقصورة قيـادة المستقبل

22:10 مساء
قراءة 4 دقائق

د. محمد الصياد *

قبل أيام استوقفتني مخرجات اجتماعين حكوميين في دولتين آسيويتين صاعدتين. الاجتماع الأسبوعي الاعتيادي لمجلس وزراء دولة الإمارات العربية المتحدة الذي عقد مطلع الأسبوع الأول، من مارس/ آذار 2023، واجتماع مجلس نواب الشعب الصيني (NPC) الذي عقد في بكين، في الوقت نفسه، تقريبا (7 مارس/ آذار 2023). ومجلس وزراء دولة الإمارات هو الهيئة التنفيذية لدولة الإمارات؛ ومجلس نواب الشعب الصيني (البرلمان)، الذي يضم 2987 نائباً، هو أعلى هيئة تشريعية في جمهورية الصين الشعبية.

 تفحّص محضر اجتماع مجلس الوزراء الإماراتي الدسم، فتشعر بأن هذه دولة قد وضعت نفسها، بكل ثقة وبجدية منقطعة النظير، على طريق المستقبل، بكل ما يحفل به من فرص وتحديات. ويمكن الاستدلال على ذلك من حصيلة اجتماع واحد فقط، من الاجتماعات الأسبوعية للمجلس، هو الاجتماع المذكور، والتي نلخصها، كما أوردها صاحب السمّو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، على النحو التالي: 

أولاً: إقرار 4 اتفاقيات اقتصادية دولية، واعتماد إنشاء مكتب في الإمارات للبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية؛ وهو بنك تشترك فيه 57 دولة من بينها دولة الإمارات ولها حصة في رأسماله البالغ 100 مليار دولار. هذا مكسب كبير للإمارات، فنجاح الإمارات في استقطاب مكتب لهذا البنك الذي أصبح منافساً قوياً للبنك الدولي في تمويل مشاريع التنمية في بلدان القارة الآسيوية، وكذلك البلدان النامية الأخرى، سيجعل منها نقطة ارتكاز إقليمية لتمويل مشاريع مبادرة الحزام والطريق التي تمتد على مساحات شاسعة من أقاليم العالم المختلفة. 

وثانياً: اعتماد النموذج التشغيلي لمدارس الأجيال التي يتم من خلالها تعهيد 28 مدرسة حكومية لإدارتها، بمشغلين من ذوي الخبرة من القطاع الخاص لمدة 3 سنوات. 

ثالثاً: اعتماد أجندة الإمارات للاقتصاد الدائري 2031، التي تضمنت تطوير 22 سياسة في النقل المستدام، والإنتاج والاستهلاك المستدامين للغذاء، والتصنيع المستدام، والبنية التحتية الخضراء؛ بهدف الابتعاد تدريجياً، عن الاقتصاد الخطي Linear economy، والانتقال للاقتصاد الدائري

circular economy المتجدد (الفرق الجوهري بينهما أن الاقتصاد الخطي يركز على الربحية، بغض النظر عن دورة حياة المُنتَج، في حين أن الاقتصاد الدائري يستهدف الاستدامة)، بحيث يكون الاستهلاك والإنتاج مستدامين ضمن الحدود البيئية، ما سيكفل رفاهية الأجيال، الحالية والمستقبلية. 

ورابعاً: فحص المجلس إنجازات مجلس الإمارات للبحث والتطوير لعام 2022 المنصرم، والتي شملت أولويات البحث والتطوير خلال المرحلة المقبلة، ومجالات تحول الطاقة، لاسيما الطاقة الشمسية، وإنتاج الهيدروجين وتخزينه، والتقاط ثاني أوكسيد الكربون وتخزينه؛ وقطاع الصحة وجودة الحياة، وبالأخص الأبحاث في مجالات أمراض القلب والأوعية الدموية والأيض وأمراض السرطان، والأمن الغذائي، والأمن المائي والتقنيات الرقمية، والمواد المتقدمة والصناعة، وبالأخص الطباعة ثلاثية الأبعاد، والمواد الوظيفية والمواد الذكية.

 وفي ما خصّ اجتماع مجلس الشعب الصيني، فيمكن تلخيص أهم ما خرج به من إصلاحات جوهرية في ختام اجتماعاته، كما يلي: تقليص بنسبة 5% من الكادر الوظيفي للعديد من الوزارات والإدارات الحكومية، وإنشاء نظام مختبر وطني يُعنى بتوجيه الموارد الوطنية نحو قطاعات التكنولوجيا الأساسية، مثل أشباه الموصلات والفضاء والمواد الجديدة وما إلى ذلك، وإنشاء نظام للابتكار على مستوى الدولة لتمكين الحكومة الصينية من التقاط وتجميع المواهب والموارد تحفيزاً للابتكار، حيث سيحدد هذا النظام ويسهل الاتصال بين الشركات ومؤسسات البحث والتطوير وقطاعات التكنولوجيا العالية؛ وإنشاء نظام إشراف وتقييم علمي وابتكاري جديد، وإنشاء نظام جديد للنزاهة العلمية، بما يؤدي إلى إنشاء معايير أعلى للابتكار، من خلال تحقيق اختراقات حقيقية ومهمة للوصول بشكل أفضل للتمويل؛ وتعظيم دور ومساهمة وزارة العلوم والتكنولوجيا في توجيه الموارد الوطنية نحو العلوم الأساسية والتنمية الصناعية، وإحداث إصلاح نوعي في القطاع المالي، بما سيشمل حل لجنة تنظيم البنوك والتأمين الصينية، ليحل مكانها المكتب الوطني للرقابة المالية والتنظيم الذي سيتولى أيضاً مهام الإشراف على الشركات المالية والتنظيم اليومي الذي كان يضطلع به بنك الشعب الصيني. 

وسيكون لهذا المكتب، مكاتب إقليمية لتنظيم ومراقبة النظام المالي الإقليمي بشكل افضل، وكل ذلك لجعل القطاع المالي أكثر تنظيماً ومركزية، توطئة، كما هو واضح، لفتح الأسواق المالية الصينية أمام رأس المال الدولي. بنك الشعب الصيني نفسه سيشهد إصلاحات ضخمة، تشمل، على الأرجح، التخلص من العناصر البيروقراطية، والإدارة المباشرة لفروع البنك في المقاطعات، بهدف تسريع وقت استجابة النظام لمتطلبات المرحلة المقبلة. 

كما سيتم إنشاء مكتب جديد وكبير هو المكتب الوطني للبيانات، وسيكلَّف بجمع البيانات للمساعدة على اتباع سياسات وطنية مستنيرة بشكل أفضل، وجعل العديد من البيانات مفتوحة للجمهور لمزيد من الشفافية. وبموجب حزمة الإصلاحات الجديدة، ستكون الإدارة الوطنية للشكاوى العامة والمقترحات تحت القيادة المباشرة لمجلس الدولة، حيث يمكن للمواطنين الذين لديهم شكاوى بشأن الحكومات المحلية (التي تشكل الأغلبية العظمى من الشكاوى)، أن تُسمع أصواتهم الآن بصورة مباشرة من قبل الحكومة المركزية. ومن خلال السيطرة المباشرة على الفروع الإقليمية، فإن إدارة الشكاوى العامة سوف تكبح، بشدة، إساءة استخدام السلطة والفساد.

لتشخص العيون نحو هذين النموذجين الآسيويين المتميزين بذكائهما (البشري) في إدارة مواردهما وطاقاتهما. فلديهما ما يستأهلان التعلم والاقتداء.

* خبير اقتصادي بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5t4pwy2d

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"