لغة الرياضيات في الاقتصاد

22:42 مساء
قراءة 3 دقائق

د. عبدالعظيم حنفي*

في أواخر الثلاثينات من القرن العشرين، انتقل مركز جاذبية الاقتصاد التقني من إنجلترا إلى الولايات المتحدة، ومع وصول عدد كبير من اللاجئين الأوروبيين، انتقل النقاش حول حدود المجال والذي كان يدور بشكل أساسي في لندن وفيينا وبرلين إلى العالم الجديد – انتقلت نواة الثورة الكينزية إلى كامبريدج، وماساتشوستس، وبذلك يمكن القول باختصار ولكن بشكل رمزي إن أكثر خطط الحركة الحديثة تشتتاً انتقلت إلى جبال روكي. وخلال السنوات العشر التالية اختلطت الهندسة الاقتصادية والعلم الاقتصادي معاً بحيث أصبح التفريق بينهما صعباً. استطاع اقتصادي واحد دون غيره أن يجسد كلاً من الثورة الكينزية والحركة الحديثة، كما استطاع أن يجسد حالة التوتر بين الوسائل والغايات التي ينطوي عليها كل من الاتجاهين. إنه بول صامويلسون الذي قام في سن الثلاثين بتدوين كثير من المنهج البديهي في كتيب للرياضيات بعنوان «أسس التحليل الاقتصادي» ومن ثم قام بتقديم المنهج الجديد لزملائه من المبتدئين في كتاب «الاقتصاد» الذي كان له أثر كبير، وأكد فيه مساهمات «كينز» وتفريقه بين الاقتصاد الكلي والجزئي.

استطاع بول صامويلسون عن طريق تقديمه لهذا الانقسام على مستوى النهج -في الأسس للاقتصاديين، والاقتصاد للباقي، أن يحتل مكان كتاب «ألفريد مارشال» عن مبادئ الاقتصاد والذي كان يعد المعرض الأساسي للاقتصاد التقني. وقد عرف العامة «الاقتصاد التقني» في السابق على أنه ببساطة «الاقتصاد الحديث».

وكان الاقتصاد التقني يحمل تطوراً هائلاً عن الاقتصاد القديم دائماً من حيث المبدأ وأحياناً على صعيد الحقيقة. كما أن الحركة الحديثة والثورة الكينزية، أدتا معاً إلى تغيير فكرة الاقتصاديين حول الأسئلة الأكثر إلحاحاً التي ينبغي عليهم أن يضعوها في اعتبارات خططهم طويلة الأمد مع وضع إمكانية التوصل لإجابات لتلك الأسئلة في الاعتبار. ثم تحول صامويلسون للعمل عبر جبهة عريضة مطبقاً التفاضل والتكامل ليحصل على أعظم أو أقل قيم للمتغيرات من نوع أو من آخر في اقتصاديات الإنتاج، وسلوكيات المستهلكين، والتجارة الدولية، والمالية العامة وتحليل الدخل. في مثل هذه الظروف برزت دلالة النظرية العامة ل«كينز» وتصوره للطلب الفعال – للقوة الشرائية الكلية، التي استوعبها صامويلسون ببطء. ومع الاقتراب السريع للحرب، قرر صامويلسون العمل على خلق «نظرية عامة من النظريات العامة» كان هدفه التوصل إلى صيغة للتوازن الديناميكي العام لجميع الكيانات في العالم الاقتصادي.

تم تأليف كتاب «أسس الاقتصاد التحليلي» في خضم حالة من الحمى من وسط عام 1940 وحتى شهر يناير 1941. كتب الكلاسيكيون عن كتاب المبادئ، في حين سعى المحدثون وراء كتاب الأسس، بعد ذلك بسبع سنوات ظهر هذا الكتاب بعنوان «أسس التحليل الاقتصادي». لا تحتاج للنظر طويلاً إلى كتاب الأسس لتعرف أنه بيان، وأن الرياضيات لغة، كما أعلن في واجهة الكتاب – وهو اقتباس من «ويلارد جيبس» (تحولت الأربع كلمات إلى أطول محاضرة ألقاها أي عالم فيزياء على الإطلاق) وقد أعاد صمويلسون في كتابه فكرة الاعتماد المتبادل على الأقل من حيث المبدأ. ولكن بدلاً من سلسلة المعادلات غير المرقمة وغير المنظمة أو التي لا يمكن حلها في بعض الأحيان فإن صامويلسون قام بخلق نظام تأثر بشكل كبير بالاقتصاد الكلي الجديد. وعرف نفس العدد القليل من المتغيرات الرئيسية مثل «كينز» الادخار – الاستثمار -الاستهلاك – الإنفاق الحكومي، وأوضح علاقة كل منها بالأخرى. ولم يستغرق الأمر وقتاً طويلاً حتى تم التوصل إلى أن كلاً منهما اعتمد على الآخر. باكتمال رسالته عام 1941 حزم صامويلسون أمتعته وانتقل إلى أسفل النهر إلى معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. وهناك حقق عدة انتصارات متنوعة له؛ كرئاسته للتركيب العريض للمذاهب الاقتصادية وعمله كمستشار غير رسمي للرئيس الراحل جون كنيدي، إضافة إلى حصوله على جائزة نوبل عام 1970، وغالباً ما يشار إليه باسم «أبو الاقتصاد الحديث». وبعد أن أصبح من الصعب الاحتفاء برجل كان قد حصل على جميع التشريفات التي يمكن أن يمنحها له معاصروه.

وأدت الموجة الحديثة من التقنيات الرياضية إلى إحداث تقدم هائل، كما كتب. ولكنها أغرت الاقتصاديين بالابتعاد عن ظاهرة تزايد العوائد والاتجاه إلى الحجم والتكنولوجيا التي تقع في قلب مشاكل احتكار القلة وكثير من مشكلات مهام التعظيم في العالم الحقيقي.
* أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdhjmj2k

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"