عادي

المناخ المناخ.. قبل فوات الأوان

23:07 مساء
قراءة 4 دقائق
يوسف الحسن

د. يوسف الحسن

لم يستمع العالم إلى نصيحة عالم طبيعة، غير إمبريالي، في القرن ال18، حينما قدم اقتراحاً للحفاظ على البيئة، في صيغة فكرة مؤداها: «حينما نسمح للأبقار أن «تتبرَّد» في بركة ماء، فإنها توفر قوتاً للأسماك، من خلال روثها، الذي تلقيه في الماء، وهذا الروث بدوره سيجذب الحشرات، التي ستتغذى عليها أيضاً هذه الأسماك».

كما تجاهلت الدول والشركات المخربة والملوثة للبيئة، تلك العادات الأوروبية القديمة التي كانت تُمجِّد الأرض، وتُحرِّم حصاد السنابل المنسية، وتمنع جمع عناقيد الكرمة والفاكهة المتساقطة، من أجل أن تستمر الأرض بمنح بركاتها للإنسان.

في القرنين الأخيرين، وقع الكوكب (أُمنا الأرض) تحت متغيرات وأحداث وممارسات متوحشة، وتنافسات قاتلة، وأنانية مفرطة، أدت إلى تغيرات جذرية في المناخ واحترار الأرض، وتلوث شامل، طال الأجواء والتربة والبحار والأنهار والجبال القطبية.

لا أحد، فرداً أو جماعة أو أمة، سواء كان ديمقراطياً أو مستبداً أو متسلطاً، حضارياً أو متخلفاً على وجه الأرض، كان رحيماً بالبيئة.

اجتث الإنسان الغابات، فاختنق الكثير من أوجه الحياة على الأرض، وفي مدن كبرى، تسبب التلوث في إعاقة التنفس للبشر، وانقرضت آلاف المخلوقات في البر والبحر بسبب غازات حبيسة، وملوثات بشرية، وظهرت ضفادع وأسماك مشوهة، وسلاحف متورِّمة، وولدت طيور بحرية عمياء، وماتت شُعَب مرجانية في المحيطات، وظهرت أوبئة وأمراض جلدية وكوليرا بكتيرية أصابت سكان شواطئ، فضلاً عن جفاف هائل في إفريقيا (وما يتبعه من هجرات سكانية)، ومؤخراً في عدد من دول متقدمة (إيطاليا والبرتغال).

لم يخضع النمو الاقتصادي في العديد من دول العالم لمعايير التوازن البيئي، وما يرتبط بهذا النمو من تنامي الاستهلاك الشره، وتصاعد استغلال الموارد الطبيعية بشكل أناني مفرط.

وتحدثت أبحاث أكاديمية أمريكية عن مخاطر تزايد معدلات التلوث وتغيرات المناخ، وذكرت أن ذلك سيعرقل قدرة النحل على شم رائحة الزهور، مما سيسبب صعوبة في العثور على طعامه، وتعطل عملية التلقيح، وبالتالي سيؤثر سلباً في عدد كبير من المحاصيل (كالفاكهة والخضار) التي يحتاج إليها الإنسان.

كما سيؤدي إلى تعاظم الأعاصير والفيضانات وربما أيضاً الزلازل، في ظل فقدان طبيعة الأرض لتوازنها.

تذكرت قولاً، لأحد الفلاسفة أو العلماء، قرأته منذ سنين، مفاده: أن الإنسان لا يستطيع البقاء، إذا اختفى النحل من الأرض، باعتبار أن النحل ضروري لحياة آلاف الأنواع من النباتات التي تعيش على عملية التلقيح.

قبل عقد ونصف العقد، وفي إحدى قمم المناخ العالمية، رفض ممثلو شركات كبرى عابرة للحدود، وضع قيود بيئية على صناعاتهم، بحجة أن ذلك سيكلفهم مبالغ باهظة!! ويبدو أن مثل هذه الشركات الكبرى، هي التي حاربت أيضاً برامج «الطاقة الشمسية»، باعتبار أن هذه البرامج يمكن توفيرها بدون تلك الشركات الكبرى، رغم أن هذه البرامج لا تسبب نفايات مرعبة تحتاج إلى تخرين وحراسة وأكلاف عالية.

هل اقتنع اليوم سادة النظام العالمي بأن تأقلم البشرية مع التغير المناخي وتداعياته أصبح مكلفاً للغاية، وخطراً واقعاً، وأن الطبيعة ستخسر أنظمة بيئية لا حصر لها، وأن المطلوب هو عمل مشترك لحماية (أُمنا الأرض) قبل أن تحتضر؟

وهل اقتنع هؤلاء بأن قضية تغير المناخ أصبحت هي القضية الأولى، بجانب قضية السلام العالمي، على رأس جدول أعمال العلاقات الدولية؟

إن الإشكالية، حتى اليوم، تكمن في أن الكثير من الاتفاقيات التي تُعلن في الاجتماعات الدولية، تظل مجرد إعلانات سياسية، وتصاغ بعبارات أخلاقية وإنسانية، لكنها غير ملزمة قانونياً.

قلت لصديقي الدبلوماسي السابق في الصين: هل نستطيع إقناع «النجم الصيني الصاعد والمحبوب» للقيام بدور فاعل في انتشال الأرض والأجواء من التلوث، مثلما نعوِّل عليه في تصحيح الأوضاع «المائلة» في النظام العالمي، وضمان سلم إقليمي راقص في المنطقة؟

حسناً، إن الحلول ليست سهلة، والطريق أمامنا طويل، ونحتاج إلى فكر إنساني، وعلم مشبع بالحكمة والقيم، وتكنولوجيا صديقة للبيئة وللإنسان، تحرص على عدم التلاعب بالجينات البشرية، وتخريب الفطرة البشرية.

إن استضافة الإمارات في نوفمبر القادم، مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ، سيكون حدثاً عالمياً مهماً، تتشابك فيه السياسة والاقتصاد والعلوم. وستقود الإمارات عجلة المفاوضات الدولية في هذا المؤتمر، وفي إطار من الحيادية بين الأطراف، دعماً وتحفيزاً للعمل المناخي المشترك.

وستقدم الإمارات حصيلة خبرتها في مجالات الطاقة المتجددة والاستدامة، وستعرض خططها لتحقيق الحياد المناخي بحلول منتصف هذا القرن، ومبادراتها في استثمار أكثر من خمسين مليار دولار في مشاريع الطاقة المتجددة في أكثر من سبعين دولة، نصفها من الدول النامية.

«تعيش الإمارات في جغرافيا الخليج ومناخه؛ حيث من المتوقع، كما يقول الدكتور سلطان الجابر وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة والرئيس المعين لمؤتمر الأطراف (كوب 28)، أن يصل معدل ارتفاع درجة الحرارة نحو 3.2 درجة مئوية، وسترتفع الرطوبة بنسبة عشرة في المئة، في حالة عدم تنفيذ التعهدات العالمية».

نعم، إنها مهمة وطنية بامتياز، فضلاً عن أنها مهمة إنسانية أيضاً؛ لبناء صلح وسلام مع البيئة قبل فوات الأوان.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/52z557sj

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"