حرب أسعار السيارات الكهربائية

21:31 مساء
قراءة 4 دقائق

شهدت صناعة السيارات الكهربائية في الصين نمواً هائلاً منذ عام 2020، وتضاعفت المبيعات العام الماضي بشكل ملحوظ. ومع انتهاء برامج الدعم الحكومي في ديسمبر/ كانون الأول 2022، اشتدت المنافسة في فضاء القطاع، ما أدى إلى ازدحام السوق وتنافس الشركات على جذب المشترين المحتملين.

وخلال الربع الأول من العام الجاري، أضرت البيئة العامة وغير المستقرة بالطلب على السيارات في أكبر سوق عالمي، فتراجعت المبيعات في الصين بنسبة 13% للأشهر الثلاثة المنتهية في مارس/ آذار، وفقاً لاتحاد سيارات الركاب الصيني.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن مصنّعي السيارات التقليديين يواجهون تحديات تتعلق ببيع مخزونهم الأقدم من المركبات التي تعمل بالديزل أو الغاز، قبل أن تدخل معايير الانبعاثات الوطنية الأكثر صرامة حيز التنفيذ في يوليو/ تموز المقبل، ما سيجعل من الصعب بيعها.

وللحفاظ على قدرتها التنافسية في السوق، اتخذت شركات صناعة السيارات تدابير احترازية، ليس من خلال تقديم خصومات كبيرة للمستهلكين فقط، ولكن أيضاً عبر منح حوافز للوكلاء، خصوصاً بعد أن ألغت الصين تدريجياً دعمها الوطني للسيارات الكهربائية، نهاية العام الماضي.

ومنذ بداية العام، وحتى الآن، أجرت أكثر من 40 شركة تصنيع سيارات في الصين خصومات على الوحدات التي تعمل بالكهرباء والغاز، تتراوح بين عدة مئات من الدولارات للموديلات ذات الأسعار المعقولة، إلى عشرات الآلاف من الدولارات للطرز الأغلى ثمناً.

ووسط توقعات الطلب القاتمة على السيارات في الصين، والمدفوعة بالمخاوف الاقتصادية، خفّضت شركة صناعة السيارات الكهربائية «تيسلا» أسعار مركباتها من طراز «3» و«Y» بنحو 10% في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، عاكسة سلسلة من الزيادات في الأسعار استمرت عامين. وفي يناير/ كانون الثاني 2023، طبّقت تخفيضات جديدة على أسعار سياراتها في الصين، وبنسبة أكبر وصلت إلى 13.5% هذه المرة.

وجاءت الخصومات الأخيرة لسيارات «تيسلا» في الصين بعد انخفاض المبيعات محلياً في ديسمبر/ كانون الأول، عندما سجلت الشركة أدنى أرقام في خمسة أشهر. كما ساهم انتهاء برنامج الدعم الحكومي باتخاذ هذا القرار تعزيزاً للمبيعات، ما أدى في النهاية لإشعال حرب أسعار في الصين.

ودفعت التخفيضات الحادة في أسعار سيارات «تيسلا» الصانعين الآخرين في الصين لأن يحذوا حذوها وسط احتدام المنافسة. فخفضت «إكس بينغ» أسعار طرز عدة من مركباتها بنسبة وصلت إلى 13% في يناير/ كانون الثاني. معتبرة أن هذه الخطوة تزيد من القدرة التنافسية لمنتجاتها الحالية، وتخلق زخماً أكثر ملاءمة قبل إطلاق منتجاتها الجديدة.

وبدأت شركة «نيو» أيضاً تقديم خصومات وصلت إلى 100 ألف يوان (14900 دولار) على بعض الطرز لتعزيز المبيعات. كما طبقت «بي واي دي» أول تخفيض معقول في الأسعار على طراز «هان» بمقدار 20 ألف يوان، إضافة إلى خصومات إضافية شملت طرزاً أخرى من مركبات الشركة.

واستجابة لحرب الأسعار التي أشعلتها «تيسلا» في أكتوبر، انضمت شركات صناعة السيارات العريقة الأخرى إلى المعركة، مثل «فورد»، و«فولكسفاغن»، و«بي إم دبليو»، و«تويوتا»، وغيرها. فخفضت «فورد» أسعار «موستنغ ماك-إي» في الصين ب 28000 يوان العام الماضي، ثم ضاعفت الخصم إلى نحو 40 ألفاً في مارس/ آذار. وكذلك فعلت «فولكسفاغن» لجذب العملاء، حيث خفضت أسعار سياراتها الكهربائية من سلسلة «آي دي»، إضافة إلى خصومات ناهزت ال 20% على السيارات الرياضية الكهربائية لذراعيها في الصين «فاو» و«سايك».

بدورها قدمت «بي إم دبليو» خصومات كبيرة على طراز «آي 3» وصلت ل 100 ألف يوان. كما خفضت تويوتا أيضاً أسعار سيارتها الرياضية متعددة الاستخدامات الكهربائية في الصين بمقدار 30 ألف يوان في فبراير/ شباط.

ولا تنظر الرابطة الصينية لمصنعي السيارات إلى فورة خفض الأسعار هذه على أنها حل طويل الأجل لانخفاض المبيعات وتراكم المخزون، بل على العكس، يرى العديد من مراقبي الصناعة أن الحرب المحمومة لأسعار السيارات الكهربائية تسببت باضطرابات كبيرة في السوق، وقد تقضي على شركات الصناعة الأضعف مالياً، أو تؤدي إلى شراكات واستحواذات محتملة بين منافسي «تيسلا». فهل يستطيع الصانعون تحمل خفض الأسعار الحاصل؟

تعاني معظم الشركات الناشئة في مجال السيارات الكهربائية صعوبات مالية، ولم تحقق أرباحاً بعد، ومثل هذه الخصومات في الأسعار قد تفاقم الوضع سوءاً. وفي حين أن بعض الشركات قد تعاني هوامش ربح منخفضة، من المحتمل أن تقبل شركات أخرى، مثل «تيسلا» و«بي واي دي» بخسائر أكبر للحفاظ على أرقام مبيعاتها. وبهذا الصدد، تتوقع «وول ستريت» أن يشهد السوق حالة «البقاء للأقوى»، مع وجود عدد قليل فقط من لاعبي السيارات الكهربائية المهيمنين، في حين ستتلاشى العلامات التجارية الأضعف.

وسط كل ما يحصل، يتكشف أمامنا سؤال بسيط، من هو المستفيد الأول من حرب الأسعار هذه؟ بالتأكيد، هي ليست شركات صناعة السيارات. فهذه الحرب تؤثر سلباً في أكثر صانعي السيارات الكهربائية مرونة، ولا ننسى الخسارة الفادحة التي تكبدتها «بي واي دي» في فبراير عندما نزفت 18 مليار دولار بسبب حرب الأسعار التي أشعلتها «تيسلا».

الأسوأ من ذلك أن حرب أسعار المركبات الكهربائية لم تنته بعد، ومن المتوقع حدوث المزيد من التخفيضات في الأسعار من قبل الصانعين في الصين، حيث أصبحت المنافسة أكثر حدة الآن. ووفقاً لتصنيف «فيتش»، من المرجح أن تمتد حرب الأسعار في سوق السيارات الصيني إلى الربع الثاني وتدمر الربحية على طول سلسلة قيمة السيارات بأكملها لعام 2023.

وفي هذه المرحلة الحاسمة، ونظراً لأن السوق يضم بالفعل مجموعة واسعة من العلامات التجارية، وأكثر من 150 طرازاً جديداً بين الهجين والكهربائي بالكامل من المقرر إطلاقها في عام 2023، فإن المستهلك هو الرابح الوحيد والمستفيد الأكبر من حرب أسعار السيارات الكهربائية ونتائجها.

«زاكس» لأبحاث الاستثمار

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yfzusww5

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"