الاقتصاد الأوروبي واللحاق بالركب

22:02 مساء
قراءة 4 دقائق

إدواردو نوغيس *

يدق زعماء الاتحاد الأوروبي ناقوس الخطر بشأن تخلف القدرة التنافسية وضمور عضلات الكتلة الاقتصادية لبلادهم. في حين تدفع الولايات المتحدة والصين العالم إلى الجيل القادم من الإبداع والصناعة. وعليه، فإن التغييرات العميقة مطلوبة، وعلى المفوضية الأوروبية أن تلبي النداء.

تواجه أوروبا والمفوضية الأوروبية أزمتين من شأنهما تحديد مستقبلهما المشترك، حرب روسية أوكرانية مستمرة تشكل تهديداً مباشراً لحرية ورفاه وسلام القارة بأكملها، وأزمة قدرة تنافسية وصفها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني شولتز بأنها «تهديد مميت آخر».

وفي الشق الأخير، يشعر عدد متزايد من المسؤولين والمحللين والمديرين التنفيذيين للأعمال بالقلق من أن أوروبا لا تستطيع التنافس مع الولايات المتحدة والصين في مجالات رئيسية من الاقتصاد العالمي.

فبعد أن كان الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة متماثلاً تقريباً في عام 2008، عند أكثر من 14 تريليون دولار، ضاعفت الولايات المتحدة الرقم في غضون خمسة عشر عاماً إلى نحو 27 تريليون دولار، في حين لم ينمُ الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي إلا بشق الأنفس متجاوزاً 16 تريليون دولار بقليل.

وأيضاً، توسع الناتج المحلي الإجمالي للكتلة بنسبة 0.5% في عام 2023، في المقابل، حققت الولايات المتحدة توسعاً بنسبة 3.1%، وقفز الناتج المحلي الإجمالي للصين 5.2% لنفس الفترة.

ويتعين على المفوضية الأوروبية الجديدة أن تعالج هذه الفجوة البنيوية بإصلاحات عميقة، وبصياغة رؤىً جديدة لإعادة بناء قدرة أوروبا التنافسية مع نظرائها، وأن تدعم قراراتها بتعيين مفوض أوروبي للتنافسية، ونائب للرئيس في المجال ذاته.

في الواقع، تواجه منظومة الابتكار والاستثمار في أوروبا أزمة ثقة، فالقارة تستضيف 14% فقط من الشركات الناشئة الخاصة في العالم، والتي تتجاوز قيمتها مليار دولار، بينما تفتخر الولايات المتحدة باحتضان نصف العدد العالمي. ويتوقع ما يقرب من 60% من الرؤساء التنفيذيين الأوروبيين نمواً أكبر للاستثمارات خارج أوروبا على مدى الأشهر الستة المقبلة مقارنة بداخلها.

ويشير قادة الأعمال إلى نفس الأسباب التي لفت إليها ماكرون وشولتز، وأيضاً إلى الحماسة التنظيمية الضعيفة للاتحاد الأوروبي. ويزعم بورجي إيكهولم، الرئيس التنفيذي لشركة الاتصالات السويدية العملاقة «إريكسون»، أن الإفراط في العمليات التنظيمية من الهيئات المتخصصة يقلل من أهمية الاستثمار في أوروبا، ويسحب منها الصناعات تدريجياً.

ويبدو أن الأرقام الأخيرة تدعم رأي إيكهولم. إذ انخفض الإنتاج الصناعي في الاتحاد الأوروبي بنسبة 5.7% من عام 2023 إلى عام 2024، وهو أعلى انخفاض سنوي منذ جائحة كوفيد، في حين تراجع الإنتاج الصناعي في الولايات المتحدة بأقل من 0.5% لنفس الفترة.

وأكد تقرير صادر عن المجلس الأوروبي، من رئيس الوزراء الإيطالي السابق إنريكو ليتا، أن الافتقار إلى القدرة على التوسع سبب آخر لتراجع القدرة التنافسية لأوروبا. وبأنه عند صياغة السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي، لم يأخذ أصحاب القرار قطاع المال والاتصالات بعين الاعتبار، بحجة أن الدول الأعضاء يجب أن تسيطر عليهما بنفسها.

وأدى هذا القرار إلى خلق أسواق مجزأة ومشبعة. إذ يبلغ اليوم متوسط أعداد مستخدمي أي مزود اتصالات ضمن الاتحاد الأوروبي خمسة ملايين شخص، مقابل 107 ملايين مستخدم في الولايات المتحدة، وأكثر من 400 مليون في الصين.

كما أدى ذلك إلى إنشاء مفوضية متضخمة، تناوب فيها ثلاثة مفوضين على الإشراف على أسواق المنافسة، والسوق الداخلية، وبعض المكاتب ضمن المديرية العامة للتجارة، وذلك في الفترة الأولى للرئيسة فون دير لاين.

وأوصى ليتا بدمج هذه القطاعات في السوق الموحدة لتعزيز القدرة التنافسية لأوروبا، وينبغي للمفوضية القادمة أن توحد المسؤوليات عن السياسة الصناعية والأمن الاقتصادي تحت إشراف «مفوض جديد للتنافسية».

ومن شأن هذا الدور، مفوض التنافسية، أن يشرف على المفوضين المسؤولين عن التجارة والمنافسة والمعايير الرقمية والتمويل والسوق الداخلية. ومن شأنه أيضاً أن يعزز تكامل السوق الموحدة الأوروبية، ويكمل اتحاد أسواق رأس المال، وينفذ قانون المواد الخام الدقيقة وقانون الرقائق الأوروبية. وسوف يعمل كسلطة أساسية للاتحاد الأوروبي بشأن كيفية تأثير اللوائح الرقمية على حيوية الأسواق الأوروبية.

تعتمد الأهمية العالمية للمشروع الأوروبي على استعادة الأداء الاقتصادي للكتلة، ويمكن أن يتخذ المشروع خطوة رمزية وعملية لاستعادة لقبه الثقيل، وهذا ما سيفعله تعيين نائب الرئيس التنفيذي المسؤول عن القدرة التنافسية.

كما سيتولى المفوض رئاسة الإدارة العامة الجديدة للأمن الاقتصادي، والتي من شأنها أن تدقق في الاستثمارات الواردة والصادرة ضمن سلاسل التوريد الاستراتيجية. كما يسهم هذا الدور في تعزيز التوافق عبر الأطلسي، في وقت أصبح فيه مجلس التجارة والتكنولوجيا بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة مقيداً بعدد المديرين ومجموعات العمل المشاركة، وقد لا ينجو من تداعيات الانتخابات الأمريكية المقبلة.

ختاماً، يمكن لمفوض التنافسية والإدارة العامة للأمن الاقتصادي الأوروبي الحفاظ على حوارات حاسمة حول سياسات التجارة والتكنولوجيا مع الشركاء الدوليين كنقطة اتصال رئيسية للاتحاد الأوروبي.

* مساعد البرنامج في «مبادرة الابتكار الرقمي» في مركز تحليل السياسات الأوروبية في واشنطن

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3u2f2sr6

عن الكاتب

مساعـد البرنامج في «مبادرة الابتكار الرقمي» في مركز تحليل السياسات الأوروبية في واشنطن

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"