الاقتصاد النفطي والانتخابات الأمريكية

22:04 مساء
قراءة 4 دقائق

إميلي روتليدج*

يستمر النفط في التأثير بالاقتصاد والسياسة العالميين، مثل أي مورد طبيعي آخر، من المؤكد أن السلعة ستشكل محوراً استراتيجياً لافتاً للنقاش والتحليل، وستؤثر في مشهد الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة.

وبوصفها منتجاً ومستهلكاً كبيراً للنفط على مستوى العالم، تربط الولايات المتحدة علاقة قوية بشكل خاص مع ما يسمى بالذهب الأسود، والمرشحون يعلمون ذلك تماماً. فقد وعد دونالد ترامب بمزيد من الحفر لاستخراج النفط، ويقال إنه استمال الدعم المالي من عمالقة القطاع الذين استجابوا عبر التبرع بمبلغ 7.3 مليون دولار لدعم حملته الانتخابية، وهو أكثر بثلاث مرات مما دُفع في حملة 2020 من نفس المصادر.

في المقابل، حاول جو بايدن تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري وتسليط الضوء على الطاقة الخضراء والسياسات التشريعية الأخرى. لكنه في الوقت ذاته بارك زيادة إنتاج النفط المحلي، ووعد سائقي السيارات بأنه سيحافظ على انخفاض أسعار البنزين!

في الولايات المتحدة، يركز المحللون والمستثمرون كثيراً على هذه الوعود، كيف لا وهي الدولة التي تشتهر بعشقها للسيارات. حيث أدت مراكز التسوق خارج المدن، والطرق السريعة الطويلة، والافتقار إلى الاستثمار الحكومي في وسائل النقل العام إلى تغذية الاعتماد عليها، بالتالي ليس من المستغرب أن يكون لأسعار الوقود دور مهم ومؤثر في أصوات الناخبين.

كما أظهرت الأبحاث أن لأسعار البنزين والغاز تأثيراً كبيراً في توقعات التضخم ومعنويات المستهلكين. وأي ارتفاع لها، خصوصاً في موسم القيادة الصيفي، حيث العطل والرحلات والمزيد من السفر على الطرق، تُخفض الثقة بالاقتصاد، وتشكل مصدر قلق خطر للحزب الديمقراطي.

وفي الوقت الذي تحولت فيه العديد من الدول الأوروبية والآسيوية نحو مصادر الطاقة البديلة، زادت الولايات المتحدة من اعتمادها على الوقود الأحفوري المرتبط بقطاع النقل. واليوم، تشكل النماذج الكهربائية 8% فقط من المركبات المبيعة في البلاد، مقارنة بنحو 21% في أوروبا، و29% في الصين.

وعلى الرغم من إنتاج ما يكفي من النفط محلياً لتغطية استهلاكها، تواصل واشنطن تداول نفطها في جميع أنحاء العالم. وفي عام 2015، صوّت الكونغرس على رفع القيود المفروضة على صادرات النفط الخام الأمريكية، والقائمة منذ أربعة عقود، ما يسمح للشركات ببيع نفطها لأعلى مزايد دولي.

ولتعقيد الأمور أكثر، تتعامل بعض مصافي التكرير الأمريكية مع نوع محدد فقط من النفط الخام الذي يتعين استيراده. في حين لا تخضع الأحداث الدولية المرتبطة بالقطاع، ولا قرارات الإنتاج الأجنبية، لسيطرة رئيس البلاد.

والواقع أن ارتفاع أسعار النفط الناجم عن الأزمات السياسية في مناطق أخرى منتجة، يوضح كيف أن الاعتماد المستمر على النفط نفسه، سواء كان مستخرجاً محلياً أو مستورداً، يعرّض الولايات المتحدة لصدمات السوق العالمية التي قد تؤثر بدورها في نتائج الانتخابات.

ورغم أن الرئيس الأمريكي ليس له رأي يذكر في سعر الوقود الذي يدفعه الناخبون، فإن دور اللوائح المحلية للنفط والغاز كبير جداً ومؤثر، حيث يشكّل المنتجون نفوذاً لا بأس به في أروقة السياسة الأمريكية.

إلى ذلك، خفضت بعض الدول النفطية حول العالم إنتاجها بعد الحرب الروسية الأوكرانية، واستخدم الحزب الجمهوري سلاح «ارتفاع أسعار البنزين» لمهاجمة سياسات بايدن البيئية التي قللت من عمليات الحفر محلياً، وأنهت عقود الحفارات في القطب الشمالي.

لكن، بصرف النظر عن الشركات الكبرى التي تدعم ترامب، فإن هيكل صناعة النفط الأمريكية فريد من نوعه بين الدول المنتجة، ويهيمن عليه عدد كبير جداً من المنتجين المستقلين الصغار الذين يكسبون المال من عمليات الاستخراج والبيع من أراضيهم.

ففي معظم البلدان المنتجة للنفط تمتلك الدول نفطها الجوفي، إلا في الولايات المتحدة تعود حقوق الملكية لصاحب الأرض، ويمكنه كسب الإتاوات من خلال السماح لشركات النفط بالحفر في أراضيه. وفي عام 2019، كان هناك 12.5 مليون شخص يملكون أراضيَ تعمل فيها نحو 9 آلاف شركة مستقلة للوقود الأحفوري تنتج نحو 83% من نفط البلاد، وتمثل 3% من الناتج المحلي الإجمالي، وتوفر 4 ملايين وظيفة.

في المقابل، تدفع تلك الشركات التي تحفر على الأراضي المملوكة للدولة معدل إتاوة للحكومة، كان حتى وقت قريب منخفضاً عند 12.5% من عائدات المبيعات اللاحقة. لكن قرار بايدن برفع النسبة إلى 16.67% لم يلق استحساناً بين منتجي النفط.

وعلى الرغم من هذا الارتفاع، وتعهد الرئيس الحالي بالمضي قدماً نحو التحول في مجال الطاقة، فلا يزال توسع صناعة النفط والغاز مستمراً في عهده وتحت إشرافه. ففي عام 2023، نما إنتاج النفط في الولايات المتحدة إلى مستويات غير مسبوقة، بمتوسط 12.9 مليون برميل يومياً، مع توقعات بزيادة نسبتها 2% في عام 2024.

قد يساعد ارتفاع إنتاج النفط في الولايات المتحدة على إعادة انتخاب الديمقراطيين، لكن جموح أسعار البنزين والوقود لن يساعد. وقد يكون الاقتصاد النفطي الدولي هو الذي يحرك قرارات الناخبين، ويحدد الفائز في استحقاق نوفمبر.

* محاضرة في الاقتصاد ب«الجامعة المفتوحة» البريطانية «آسيا تايمز»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ypx62cfu

عن الكاتب

محاضـرة في الاقتصاد بـ«الجامعة المفتوحة» البريطانية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"