ثمن الموقف وإشكالياته

00:51 صباحا
قراءة 3 دقائق

عبدالله السويجي

يقول الخطاب الإنساني الملتزم، المليء بالشموخ والعزة والعاطفة والولاء والانتماء، إن الحياة موقف، وهو موقف فردي ذو صلة بالمبادئ والقيم والمثُل، وأحياناً بالعادات والتقاليد والأعراف، ويرتبط أيضاً بالوعي والثقافة والمعرفة، رغم أن الإنسان البسيط التلقائي النظيف، يتّخذ موقفه بحماسة ووضوح، وأحياناً بانفعال، لأن رؤيته للأمور تستند إلى الأبيض والأسود، وهو كلام غير نهائي، إذ قد يتحلّى هذا الإنسان بالحكمة والتأنّي ورؤية أطياف الألوان والحياة، التي ستنعكس على السلوك. وقد ربطنا الموقف بالفرد لأن الجماعة تنتهج مواقف تقترب من سياسات الدول، حيث المواقف تستند إلى الظروف والمعطيات والوقائع، وبالتالي تتغيّر بتغيّر تلك العناصر.

 وبعيداً عن التنظير الذي لا بدّ منه، فإن لكل فعل ردة فعل، ولكل موقف تبِعات، ولكل سياسة آثارها الفورية التي تظهر في المدى القصير أو الطويل. ونتيجة الموقف الفردي قد تظهر مباشرة في إطار الحالة المرتبطة بالمكان والزمان، وقد تستغرق وقتاً، وذلك تبعاً لاستقبال الموقف، أو حدّته وأثره على الآخر الفرد والمجموعة. 

 والكاتب في الشأن السياسي، لا سيّما المتّصف بالشجاعة، والمنتمي إلى سياسات وطنه وقضايا شعبه وأمته، والذي يمارس الولاء والانتماء في أعظم تجلياتهما، هذا الكاتب يجني نتائج مزدوجة جرّاء مواقفه، خاصة إذا كانت مُعلنه واضحة وصريحة، وتنسجم مع سياسات بلده. وغالباً ما يدفع ثمناً باهظاً، نتيجة قصور فهم الآخر لمعنى المواطنة والانتماء والالتزام، إذ يبقى في خانة الاشتباك مع الآخر حتى في حال إيجاد حلول بين البلدين، فتعود الحياة السياسية إلى طبيعتها بين الدولتين أو الأطراف المتخاصمة، بينما يبقى هو كفرد في خانة القائمة السوداء غير المرضي عنها. وهي إشكالية تؤثر على بعض الكتّاب وتدفعهم إلى تجنّب اتخاذ مواقف مُعلنة، كي يكونوا في الجانب الآمن وقت انتهاء الأزمة.

 وفي رأيي، هذا الانصياع والخوف من تبعات الموقف يمكن إدراجه في تصنيف الانتهازية، بسبب التفكير في المصلحة الفردية الضّيقة على حساب الموقف الوطني الشامل والعام، وهذا لا يساهم في دعم الجبهة الداخلية وتعزيز الانسجام المجتمعي وقت الأزمات.

 أعتقد أن المشكلة ليست في الكاتب المنتمي بقدر ما هي في الآخر، وأعتقد أيضاً أن مواصلة الآخر في محاسبة الأفراد والكتّاب على مواقفهم رغم التوصّل إلى صيغة السلام، تعكس نوايا غير صادقة في تنفيذ بنود السلام والتقارب، ولا بد من مراجعة المسألة برمّتها إذا ما تأكدت الممارسات العدائية ضد الأفراد، أو المواقف غير الصافية تجاههم.

 يتحمّل المثقفون والأدباء والباحثون والإعلاميون دوراً مهماً، يكاد يكون مفصلياً، في نشر الوعي وتعزيزه وتوضيح الإشكالية لدى المؤسسات الرسمية الاجتماعية والسياسية والثقافية، إذ لا يجوز وجود انفصام في المواقف داخل المجتمع الواحد؛ موقف سياسي دبلوماسي، وموقف فكري انتقامي، لأن هذا الانفصام سيعكس مباشرة عدم وجود الموقف الواحد الموحّد لدى طرف من الأطراف، ويُظهره أمام المجتمع الدولي بالمنافق. ولهذا، نرى أن تعزيز السلام بين طرفين، يجب أن تتلوه برامج مدنية ثقافية واجتماعية، وتبادل معرفي وإنساني مكثف، للتخلّص من الشوائب والسدود، وهدم الجدران والأسوار العالية التي كانت تفصل بين البلدين أو المجتمعين، خاصة إذا كان سوء التفاهم عارضاً ولم يصل إلى العداء المستحكم.

 الكاتب الحقيقي المؤمن بسياسات وطنه، لا يتأثّر، ويجب ألا يتأثّر، بضيق أفق بعض المؤسسات، إن كانت سياسية أو فكرية أو إعلامية، وأن يواصل ترجمة قناعاته ومواقفه الوطنية، لأنه خليّة نشطة من الخلايا التي تشكّل هذا الجسد الوطني، وهو الحنجرة الصافية لترديد نشيد الولاء والانتماء.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/54wtyzeu

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"