أهمية تقليل هدر الطعام في ضمان مستقبل أفضل

22:03 مساء
قراءة 4 دقائق

يوسف أحمد المطوع*

يحتفل العالم هذا الشهر بمناسبة يوم الأرض، المبادرة البيئية الأهم على مستوى العالم، والتي يشارك فيها أكثر من مليار شخص للقيام بواجبهم ودعوة الجميع للاستثمار في كوكبنا. ويُعدّ هدر الطعام إحدى المشكلات الرئيسية التي تؤثر على كوكب الأرض؛ حيث حازت اهتماماً كبيراً في السنوات الأخيرة، نظراً لتأثيرها البيئي وتداعياتها على الأمن الغذائي. ويحدث هدر الطعام في جميع مراحل سلسلة توريد الغذاء، بدءاً من الإنتاج ووصولاً إلى الاستهلاك، ما يؤدي إلى إهدار كبير للموارد والطاقة، إلى جانب زيادة انبعاثات غازات الدفيئة. وتُقدّر منظمة الأغذية والزراعة (فاو) التابعة للأمم المتحدة نسبة فقد وهدر الغذاء بحوالي ثلث الإنتاج العالمي الحالي من الأغذية سنوياً، ما يعادل 1.3 مليار طن من الغذاء الصالح للاستهلاك.

وينطوي هدر الطعام على تأثيرات كبيرة على البيئة؛ حيث يُسهم إنتاج الغذاء ونقله في زيادة انبعاثات غازات الدفيئة. وتشير التقديرات إلى أن الطعام المهدور يُنتج 3.3 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً، ما يعادل 7% من انبعاثات غازات الدفيئة على مستوى العالم. كما ينجم عن هدر الطعام ضياع الموارد المُستخدمة في إنتاج الغذاء، مثل المياه والتربة، مما يزيد من مشكلة ندرة الموارد ويشكل عبئاً إضافياً على الموارد الطبيعية.

وتحظى مشكلة الطعام المهدور باهتمام متنامٍ في الشرق الأوسط؛ حيث يُقدّر إنتاج الإمارات منه بنحو مليوني طن سنوياً، ما يشكل توجهاً مقلقاً يستدعي إسهام جميع الأطراف المعنية لمعالجته. وتبلغ تكلفة هدر الطعام في الدولة نحو 13.2 مليار درهم (حوالي 3.6 مليار دولار أمريكي) سنوياً، فيما تصل التقديرات إلى تريليون دولار أمريكي على مستوى العالم.

تدرك حكومة الإمارات أهمية معالجة هدر الطعام؛ حيث أطلقت مبادرات عديدة لتقليل الهدر وتعزيز الاستدامة. ويعمل بنك الإمارات للطعام، الذي تأسس في عام 2017، على جمع فائض الطعام من الفنادق والمطاعم ومتاجر السوبر ماركت وتوزيعها على المحتاجين؛ حيث وصل عدد الوجبات التي وزعها إلى أكثر من 50 مليون وجبة، مما يُسهم في تقليل الطعام المهدور. وأطلقت الحكومة العديد من الحملات لتقليل هدر الطعام، والتوعية بهذه المشكلة، والتشجيع على اعتماد ممارسات غذائية أكثر استدامة، كما أدخلت تقنيات الذكاء الاصطناعي في قطاع الضيافة لمراقبة هدر الطعام.

يُعد توطين إنتاج الغذاء وزراعته في المنازل إحدى أفضل الوسائل لتقليل هدر الطعام وتعزيز الاستدامة. وتأتي دولة الإمارات في صدارة دول المنطقة لاعتماد هذه الممارسات، التي يمكن تحقيقها من خلال الابتكارات في البحث والتطوير الزراعي، بما فيها المناطق الزراعية والزراعة المجتمعية، بالإضافة إلى الحلول عالية التقنية مثل الزراعة العمودية. وتكثف الدولة جهودها لتطوير حلول إسكان مستدامة، ومن أبرزها مدينة الشارقة المستدامة، التي تركز على تشجيع سكانها على تقليل هدر الطعام، وتوفر لهم مرافق مثل المناطق الزراعية والبيوت الخضراء التي تعمل بالزراعة العمودية لإنتاج محاصيل طازجة ضمن المدينة. وتعمل المدينة على زيادة فاعلية المناطق الزراعية، من خلال إقامة برامج تفاعل مجتمعي للتوعية، ومشاركة المعرفة حول الممارسات المحلية للأمن الغذائي وهدر الطعام والمناطق الزراعية. وتُسهم هذه الجهود في تعزيز الزراعة المستدامة وتقليل هدر الطعام، بالإضافة إلى دعم الجهود الأوسع نطاقاً، بما فيها الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي وأهداف التنمية المستدامة التي وضعتها الأمم المتحدة، والتي يدعو هدف منها إلى خفض هدر الأغذية إلى النصف، والحد من خسارة الغذاء بحلول عام 2030.

ويعزز تقليل الهدر الأمن الغذائي، ويوفر العديد من الفوائد الاقتصادية؛ حيث يمكن لدولة الإمارات من خلاله تحقيق وفورات سنوية تبلغ حوالي 4.4 مليار درهم. ويمكن من خلال تعزيز أنظمة مستدامة للزراعة وإنتاج الغذاء تقليل الاعتماد على الغذاء المستورد في الدولة، فضلاً عن تحسين الأمن الغذائي والاقتصاد المحلي.

لا ينبغي أن تقتصر جهود الحد من هدر الطعام على المبادرات الحكومية وحسب؛ إذ يمكن للأفراد أيضاً الإسهام نحو تحقيق هذا الهدف، من خلال تقليل طلبات الطعام، وشراء المواد الغذائية الأساسية فقط، وشراء الخضراوات والفواكه ناقصة النمو، والتي ترفضها أغلبية متاجر السوبر ماركت، والتخطيط للوجبات وتحضيرها، وتخزين الطعام بطريقة صحيحة، وابتكار طرق جديدة لاستعمال بقايا الطعام، والتبرع بفائض الطعام، وتحويل النفايات العضوية إلى سماد، وغيرها. ويمكن لهذه الخطوات تقليل هدر الطعام، وتعزيز الاستدامة بصورة ملحوظة.

ويشكل هدر الطعام قضية ملحّة تؤثر على الجميع؛ إذ لا تقتصر تداعياتها على البيئة فقط، بل تشمل قدرتنا على تأمين الغذاء لأنفسنا وللمحتاجين. وساهم التزام حكومة الإمارات في تعزيز الزراعة المستدامة والإدارة الذكية للنفايات ومبادرات إعادة الاستخدام في معالجة هذه المشكلة. وأعلنت دولة الإمارات 2023 عاماً للاستدامة، كما تستعد لاستضافة مؤتمر «كوب 28»، الفعالية الأكبر عالمياً في مجال المناخ، في وقت لاحق من العام، مما يحفّز تغييراً سلوكياً بين عدد متنامٍ من الأفراد والقطاعات لاتخاذ خيارات مستدامة وتقليل هدر الطعام.

ولا تزال الإسهامات الفردية في هذا المجال حاسمةً لتعزيز الاستدامة والأمن الغذائي على مستوى الدولة والعالم. ويمكن إنشاء نظام غذائي أكثر استدامة ومسؤولية، والحفاظ على البيئة للأجيال القادمة، وضمان توافر الطعام الصحي للجميع من خلال اعتماد حلول مبتكرة، بما فيها المناطق الزراعية والزراعة المجتمعية.

*الرئيس التنفيذي لمدينة الشارقة المستدامة

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/y4unmbsm

عن الكاتب

الرئيس التنفيذي لمدينة الشارقة المستدامة

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"