الدور الحاسم لثلاثية الغذاء والمياه والطاقة

21:40 مساء
قراءة 4 دقائق

يوسف أحمد المطوع *

تدفع عدة عوامل، كالتضخم السكاني والهجرة التي تشمل الانتقال من الريف إلى المدن والهجرة بين الدول، إلى تطوير المزيد من المناطق لتمكين قرابة 7 مليارات نسمة يتوقع أن تسكن في المناطق الحضرية بحلول عام 2050.

وترتفع معدلات الهجرة إلى بلدان أخرى في ظل تسهيلات التأشيرات والهجرة التي توفرها دول كثيرة، بما فيها العديد من دول مجلس التعاون الخليجي، وتحديداً نحو المدن الرئيسية فيها، بحثاً عن فرص حياة أفضل، وهو ما يؤدي إلى بقائهم في تلك الدول لسنوات طويلة، فيما يختار بعضهم الاستقرار الدائم فيها.

لا يعد الانتقال إلى المدن «التحضر» سلوكاً إنسانياً طارئاً، لكنه شهد تسارعاً غير مسبوق بعد الحرب العالمية الثانية، حيث سجل ارتفاعاً ملحوظاً في حصة المناطق الحضرية عالمياً من السكان من نسبة 30% في عام 1950 إلى 57% في عام 2021.

صحيح أن التوسع الحضري يحفز الابتكار والرخاء الاقتصادي، ويحسن جودة الحياة، ويعزز التنوع الثقافي، لكنه قد يؤدي أيضاً إلى آثار سلبية، كالضغط على الموارد الطبيعية، الذي يؤدي إلى ارتفاع استهلاك الطاقة ويتسبب في إنتاج المزيد من النفايات وكافة أشكال التلوث.

ويتزامن هذا كله مع ما يواجه العالم من أزمة كوكبنا الثلاثية، كتغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي والتلوث.

ومن بين العوامل المتعددة المسببة للهجرة نحو الحضرية نجد التغير المناخي يفرض نفسه بقوة، فهو لا يؤدي فقط إلى نزوح الأشخاص الذين خسروا محاصيلهم، وبالتالي مصادر دخلهم، بسبب الجفاف والتدهور البيئي، بل يؤدي كذلك إلى زيادة الطلب على الموارد، بما في ذلك الغذاء والمياه والمأوى في المناطق الحضرية.

وتتحمل المياه العذبة، من بين الموارد الرئيسية الأخرى، العبء الأكبر، لما يفرضه التحضر عليها من ضغوط هائلة، فهي مورد محدود وسريع النفاذ في كوكبنا الذي يضمن صحتنا وتوازن البيئة، وهي العنصر الأكثر أهمية بعد الهواء للنباتات والحيوانات والحياة البرية، وكذلك لبقاء الإنسان.

ووفقاً للأمم المتحدة، فإن 2.5% فقط من مياه كوكب الأرض عذبة وصالحة للشرب والزراعة والاستخدامات الصناعية الأخرى. ومن المؤسف أن موارد المياه العذبة التي تتعرض لسوء إدارة وعوامل أخرى كتغير المناخ، تعاني حالياً ضغوطاً أدت إلى انخفاض نسبة توافرها إلى 20% لكل فرد خلال العقود الماضية.

ولوضع موارد المياه العذبة على رأس القائمة، يركز يوم الأغذية العالمي في 16 أكتوبر أيضاً على المياه. تحت عنوان «الماء هو الحياة، الماء هو الغذاء». «لا تتركوا أحداً خلفنا»، ليدعو إلى بذل جهود عالمية لإدارة المياه بشكل أكثر حكمة، ويؤكد أن الحكومات في جميع أنحاء العالم بحاجة إلى تصميم سياسات قائمة على العلم والبيانات والابتكار والتنسيق بين القطاعات لتخطيط وإدارة المياه بشكل أفضل. علاوة على ذلك، ستخصص الدورة الثامنة والعشرون لمؤتمر الأطراف (COP28) الشهر المقبل في دبي يوماً لهذا الموضوع مع العديد من الفعاليات التي تركز على الغذاء والزراعة والمياه.

يستهلك القطاع الزراعي نحو 70% من المياه العذبة على مستوى العالم. ولذلك، يجب علينا التسريع في اتخاذ إجراءات على جميع المستويات لجعل هذا القطاع مستداماً قدر الإمكان، بترشيد استخدام كل قطرة ماء بحكمة وكفاءة، لاسيما في بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، الأكثر عرضة للتغير المناخي، والتي تضم بعضاً من أكثر البلدان حرارة وندرة في المياه في العالم. مع التحديات المتزايدة التي تشكّل تهديداً للحياة البشرية والحيوانية والنباتية على الأرض، ستحتاج الحكومات والقطاع الخاص والأفراد إلى تكثيف الجهود للحد من هدر المياه العذبة وتحديد وتوسيع نطاق الحلول المبتكرة التي يمكن أن تساعد على تقليل استخدامها، وخاصة في قطاع الزراعة.

إن استمرار الطلب على المياه العذبة وارتفاع نسب استهلاكها، يحيلنا إلى مفهوم المدن المستدامة كأحد أفضل الطرق العملية للحد من استخدام المياه العذبة وإساءة استخدامها في المناطق الحضرية. على سبيل المثال، في مدينة الشارقة المستدامة، كان تركيزنا منذ اليوم الأول على تطوير مجتمع يوفر حياة عالية الجودة مع الحد الأدنى من التأثير على البيئة، ويلبي أعلى معايير الاستدامة الاجتماعية والبيئية والاقتصادية.

على مدى العامين الماضيين، قمنا ببناء مجتمع استثنائي ومستدام يحتضن ويجسد أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، ويبشر بمستقبل منخفض الكربون، ويقدم حلولاً عملية للأمن الغذائي، وإدارة المياه والطاقة، والحفاظ على الموارد الطبيعية. إذ تشجع المدينة أيضاً الزراعة الحضرية، وتتميز بحلول زراعية عالية التقنية، مثل البيوت الخضراء التي تعتمد على الزراعة العمودية لإنتاج الخضراوات الطازجة للسكان، ويمكن أن تساعد على توفير ما يصل إلى 90% من المياه العذبة مقارنة بالزراعة التقليدية. كما أنها تعزز إنتاج الغذاء المحلي، وتدعم جهود الأمن الغذائي في دولة الإمارات العربية المتحدة. كما تقوم المدينة بمعالجة 100% من مياه الصرف الصحي لري المساحات الخضراء، وتزيد من إعادة التدوير لتحويل النفايات من مدافنها.

وعلى الرغم من الجهود الملحوظة لبعض البلدان في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا للحد من هدر المياه العذبة، فإن الحاجة إلى بذل المزيد من الجهود لا تزال قائمة. وتشتمل الجهود على تنفيذ سياسات فعالة لزيادة كفاءة استخدام المياه وترشيده في جميع القطاعات، وخاصة في الصناعة الزراعية، وجعل الزراعة الحضرية أكثر استدامة وكفاءة في استخدام المياه. ويشمل ذلك أيضاً زراعة المحاصيل الغذائية والأعلاف القادرة على التكيف مع المناخ، وتعزيز الزراعة المحلية، وبناء مجتمعات متمكنة، وخاصة بين الشباب، لرفع مستوى الوعي بالتهديدات التي تواجه المياه العذبة ودورها المحوري في تغذية العالم.

* الرئيس التنفيذي لمدينة الشارقة المستدامة

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4yxuj875

عن الكاتب

الرئيس التنفيذي لمدينة الشارقة المستدامة

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"