من أنشاص إلى الرياض

00:23 صباحا
قراءة دقيقتين

د. ناجي صادق شراب

الزمن بين أول قمة عربية عقدت في أنشاص بدعوة من الملك فاروق عام 1946 وقمة الرياض في 19 مايو (أيار) 2023، سبعة وسبعون عاماً، و32 قمة عربية عادية عقدت ما بين العواصم العربية، إلى جانب عدد من القمم الاستثنائية من دون أن ترقى هذه القمم بالعمل العربي المشترك إلى الفعل الحقيقي بما يحقق مصالح وأهداف الأمة العربية. لقد استحوذت القضية الفلسطينية على معظم هذه القمم لكن ما يعتبر إنجازاً هو الحرص على عقدها.

 فما تشهده المنطقة العربية من صراعات وحروب وآخرها في السودان، واستهداف إقليمي ودولي وتحديات وتهديدات للأمن القومي العربي يجعل من قمة الرياض أمام مسؤوليات ومهام كبيرة وتطلعات وآمال باستعادة الفاعلية للعمل العربي المشترك واستعادة المنظومة العربية. 

 هذه القمة تأتي في ظل سياقات وتحولات سياسية عربية وإقليمية ودولية ما بين الإيجابية والسلبية. وكما نعلم جميعاً، فإن القمة العربية ليست منغلقة على نفسها فهي قمة تعقد في أهم منطقة في العالم من حيث الموقع الجيوسياسي والاقتصادي. هذه القمة قد تكون أفضل من سابقاتها، فهي تعقد في ظل المصالحة الخليجية الكاملة، والاتفاق الإيراني - السعودي، وما له من انعكاسات إيجابية على قضايا مهمة كالحرب في اليمن والأوضاع في لبنان وسوريا وفلسطين، وتعقد أيضاً في ظل تفاهمات وتنسيق عربي أشمل بين دوله المحورية والمؤثرة، وهو ما قد يساعد على بلورة تحالف إقليمي عربي قادر على التعامل مع تراجع الدور الأمريكي في المنطقة.

 وفى الوقت نفسه، تعقد في ظل تحولات في موازين القوى الإقليمية والدولية وتداعيات الحرب الأوكرانية التي تطال المنطقة، وفى ظل التنافس وبوادر حرب باردة بين الصين والولايات المتحدة. وعلى المستوى العربي، هناك الحرب في السودان بما تمثله من تهديد مباشر لأمن المنطقة.

 هذه القمة ملفاتها وقضاياها كثيرة، وتتصدر القضايا السياسية والأمنية أولوية قصوى، وعلى رأس هذه القضايا، عودة سوريا إلى حاضنتها العربية، وإمكانية دعوة الرئيس السوري بشار الأسد للمشاركة فيها، إيذاناً بمرحلة سياسية جديدة للتسوية الشاملة وحصر التدخلات الخارجية في الشأن السوري.

 وتبقى القضية الفلسطينية حاضرة كما كانت في قمة الجزائر من منظور إنهاء الانقسام الفلسطيني والدعم المالي، وتأكيد ضرورة الانسحاب الإسرائيلي ووقف الاستيطان، والتمسك بحل الدولتين وقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس. وتأكيد أنه لا يوجد سلام ولا تطبيع شامل من دون تسوية للقضية الفلسطينية إلى جانب ملفات تتعلق بليبيا والعراق والملف اللبناني.

 وأهم ما في الأمر أن تعيد القمة العربية للمواطن العربي ثقته في النظام العربي، واستعادة الصدقية في العمل العربي المشترك. 

ولا شك أن ما يدعو إلى التفاؤل في نجاح القمة، مواكبتها للتحولات في الدور الذي تلعبه السعودية على كافة المستويات العربية والإقليمية والدولية، فبقدر فاعلية هذا الدور، يتحقق النجاح للقمة، كي تشكل بقرارتها مرحلة تحول كبيرة في العمل العربي المشترك، وستكون رسالة قوية لكافة القوى الإقليمية والدولية بأن هذه المنطقة منطقة قوة عربية قادرة على التعامل مع قضاياها، ومرحلة لبناء علاقات مع الدول الإقليمية والعالمية، بما يحقق الشراكات الاستراتيجية والمصالح المشتركة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3d9hyjex

عن الكاتب

أكاديمى وباحث فلسطيني في العلوم السياسية متحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ومتخصص في الشأن السياسى الفلسطيني والخليجي و"الإسرائيلي". وفي رصيده عدد من المؤلفات السياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"