موهبة التفكير بطريقة اقتصادية

21:48 مساء
قراءة 3 دقائق

د. عبدالعظيم محمود حنفي*

تشرح لنا دراسات اقتصادية أمريكية ما الذي يصنع طالباً جيداً عبر استعراض رحلة الطلبة الدراسية في مجال الاقتصاد، فيذكرون لنا أنه في الاقتصاد، كما في كرة السلة، من السهل نسبياً التعرف إلى المواهب المحتملة. فتوقع عبقرية أحد الأبطال هو شيء عادة ما تثبت صحته. وفي كل عام يقوم المتفوقون بالتقدم للعمل في مجال الاقتصاد بدلاً من بعض المجالات الأخرى في اللحظات الأخيرة. ولكن في معظم الأحيان يتم تحديد أفضل المرشحين في كل فصل من قبل الكليات التي تتم فيها الدراسة، أو عن طريق الدورات التي يحصل عليها هؤلاء المرشحون، في بداية العام الدراسي، وعادة ما يكون هؤلاء الطلبة من الممتازين في الرياضيات مقارنة بالاقتصاد، ولأن الرياضيات هي اللغة التي عن طريقها تتم قيادة معظم الأعمال الاقتصادية، و التي لابد من احتراف التعامل معها في سن صغيرة، فإن برامج الدراسات العليا تتنافس فيما بينها لإغراء هؤلاء الطلبة.

وتقدم الكليات الأمريكية اهتماماً شخصياً، وأفضل تدريس، وأكبر دعم، إضافة إلى أسرع وأقل المسارات تعطيلاً لتعيينات المناصب الكبرى. ويمنح أفضل الطلبة منحة مؤسسة العلوم الوطنية، لتغطية تكاليف الدراسة والإقامة، والتي تصل إلى نحو 50.000 دولار سنوياً، اعتماداً على الدرجات التي يحصلون عليها في سجل امتحانات الدراسات العليا لمادة الرياضيات، إضافة إلى خطابات التوصية التي يحصلون عليها. ما الذي يصنع طالباً جيداً؟ يجيبوننا بالقول، بالطبع هو شيء أكثر من التفوق في مادة الرياضيات. ولا تعني دراسة المساعدين لتعقيدات التعليل الرسمي أنه سيكون لديهم بالضرورة ما يقولونه، ولذلك يبدو أنه حتى هذه الخلفية المعرفية للتفاصيل ليس لها أثر قوى في هذا الشأن. إذ إن الطلاب المتميزين يأتون من كل مسارات الحياة، ومن أماكن مختلفة من العالم. ويعد توفر المزاج العلمي ميزة إضافية، وقد قام السير «فرانسيس باكون» بوصف ذلك المزاج العلمي منذ مدة طويلة كما يلي الرغبة في السعي والبحث، والصبر على الشك، والغرام بالتوسط، والبطء في التأكيد، والاستعداد لإعادة التفكير، والدقة في العرض والقدرة على التصرف والترتيب. ولكن تعد الموهبة الأساسية بين كل ذلك هي موهبة التفكير بطريقة اقتصادية، وهي أهم المزايا والمواهب التي يتمتع بها هؤلاء الذين سيصبحون ذوي شأن، إلى جانب القدرة على ترجمة أي مشكلة باستخدام حقيبة أدوات النظام، والعمل على إيجاد مزيد من الأدوات إذا تطلب الأمر.

وعادة ما توصف السنة الأولى بأنها نوع من معسكرات التدريب، حيث يتم تدريب المجندين وتمرينهم بلا هوادة لتعلم التقنيات والأدوات التي سيكون عليهم إجادة التعامل بها، كي يبدأوا مع الانتباه المستمر حتى يصلوا إلى وظائفهم المهنية. ولا تعنى أفضل المدارس بالكتب الدراسية في تلك المرحلة، حيث تتم الاستعاضة عنها بالمحاضرات، وببعض القراءات المعينة، والتي تتبع بعدد لا نهائي من المسائل التي يجب العمل على حلها، وعادة ما يقوم الطلبة بمقارنة هذه العملية التعليمية بمحاولة التحدث بلغة جديدة بطلاقة، حيث إن هناك أوراقاً لابد أن تكتب، كما لابد من اجتياز اختبارات لإثبات الكفاءة في المجالات المختلفة، وبالطبع هناك المناقشات اللانهائية التي يجريها الطلاب مع بعضهم بعضاً. وتكفي سنتان من الدورات الدراسية حتى يتمكن الطلاب من إجادة التعامل مع الأدوات الاقتصادية الأساسية والآراء التي تعد الحد الفاصل بالنسبة لأي تخصص بعينه، ثم تأتي السنة الثالثة من الحلقات الدراسية والمواد الدراسية المختلفة حيث يصبح من الممكن القول، إن الطلاب الذين اجتازوا دراسة العقيدة لابد من أن يتمكنوا من التفكير بأنفسهم، ومن ثم يأتي دور الرسالة، وتستغرق الدراسة خمس سنوات، أو ست سنوات في بعض الأحيان، ونادراً ما تقتصر الدراسة على أربع سنوات. وعندما تشرف الرسالة على الانتهاء، يقف الطالب الذي على وشك الحصول على درجة الدكتوراه على مشارف سوق العمل والتي يمكن تشبيهها بعملية اختيار اللاعبين الرياضيين المحترفين، حيث يتم الإعلان عن المتقدمين الجدد كل سنة لأصحاب العمل المحتملين مقدماً، وينضم كل عام عدد من النجوم إلى الدوري. والعديد من أفراد الرحلات، التجميع الطبيعي للاعبين الاحتياطيين وللخيول السوداء.  وسيتجه بعض الطلبة إلى العمل في إحدى الصناعات، أو في الدولة من دون التفكير في العمل في مجال التدريس. وسيتجه فقط عدد لا يتخطى أصابع اليد من كل دفعة متخرجة إلى دخول قاعة المشاهير الخاصة بالأبحاث. ولكن تقريباً سيحصل جميع المتخرجين تقريباً، على وظائف دائمة.

* كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/rp8zr6ra

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"