عادي
قرأت لك

«حصن الذيد».. العمارة تروي التاريخ

16:17 مساء
قراءة 4 دقائق
د. سالم الطنيجي

الشارقة: عثمان حسن

يرصد كتاب «حصن الذيد بين الماضي والحاضر» للكاتب والباحث الدكتور سالم زايد الطنيجي، وصدر عن معهد الشارقة للتراث، أحد أبرز المعالم الدفاعية في إمارة الشارقة؛ وهو الحصن الذيد الذي شيّد في عام 1820، وقد مر بمراحل مختلفة ومتنوعة، والباحث في هذا الكتاب يتتبع بالدراسة والتحليل أبرز مراحل تطور الحصن؛ بهدف إطلاع القارئ على أشكال العمارة الدفاعية وأنماطها في مدينة الذيد بشكل خاص، وإمارة الشارقة على نحو أعم.

جاء الكتاب في 370 صفحة من القطع الكبير، وهو يتألف من مقدمة وأربعة فصول، ويشتمل كل فصل على محاور عديدة، أما فصول الكتاب؛ فهي: مدينة الذيد في المكان والزمان، العمارة الدفاعية.. المعالم والشواهد، حصن الذيد.. الطرز المعمارية والوظيفة الدفاعية، واستدامة المواقع التراثية.

في الفصل الأول من الكتاب يتتبع الباحث مدينة الذيد، ويقدم فيه إطلالة شاملة على جغرافية المنطقة وسكانها وتاريخها وكل ما يتصل بها، ما يساعد على فهم تكوينها التاريخي والاجتماعي والسياسي.

وفي الفصل الثاني تناول الباحث موضوع العمارة الدفاعية في الذيد ومعالمها وشواهدها الشاخصة، كما استعرض ما تضمنته من حصون وقلاع وأبراج وأسوار، وأثرها وتأثيرها في نمط العمارة في المنطقة.

وفي هذا الفصل اهتم الباحث بتقديم إضاءات وتعريفات مهمة حول (العمارة الدفاعية، الأسوار، الأبراج الدفاعية، الحصون، القلاع، المربعات)، كما سلّط الضوء على كثير من الآثار المعمارية التي اندثر بعضها، وبقي بعضها الآخر، كقلاع فلي «الثميد» العسكرية، والبرج الكبير «البري» والحصن الشرقي، وحصن المدام وحصن البحيص..

* تصاميم خاصة

وتحت عنوان «العمارة الدفاعية والمستحكمات العسكرية في الإمارات» يقول المؤلف: «تتميز الإمارات بوجود عدد كبير من العمائر الدفاعية ذات الأشكال والأحجام المختلفة، والمقاسات المتباينة، أنشئت كلها لأغراض عسكرية، وتنتشر على طول الساحل، وفي بعض المرتفعات والمناطق الداخلية وعلى مشارف المدن، وعلى سفوح الجبال، وشعاب الوديان، وكانت هذه المستحكمات التي بناها الإماراتيون على مر العصور بمثابة مراكز للدفاع عن التجمعات السكانية، ولهذه العمائر تصاميم خاصة بها، ومتاريس قائمة بذاتها، تتيح للمدافعين أفضل رؤية للأعداء إذا ما حاولوا الاقتراب من الجدران التي تصل بين مختلف المباني، وقد شيدت هذه العمائر بمواد بناء مختلفة تبعاً للموقع الذي تقام عليه، وحسب طبيعة هذا الموقع، وما يتوافر فيه من مواد».

وأوضح الباحث في الفصل الثالث أن الحصن هو جزء من العمارة الحربية، وهو جزء أيضاً من المعمار الإسلامي، الذي لم يسر على نمط واحد؛ بل هو نمط متعدد ومتغير بحسب البلدان والأماكن.

وقد أفرد الباحث في كتابه مساحة كبيرة للحصن؛ بوصفه معلماً تراثياً لا يزال جزء منه قائماً إلى اليوم، وقدم وصفاً دقيقاً لهذا الحصن الذي يضم 4 قلاع ضخمة: الأولى مدورة وتقع حالياً في مركز الشرطة بالذيد، وتتكون من ثلاثة أجزاء مبنية من حجر الجبال القريبة نسبياً من الموقع، وقاعدة القلعة عريضة وتضعف قليلاً كلما ارتفعنا إلى أعلى، وهي بذلك تشبه القلاع الأخرى في الشارقة، وقمتها ذات شكل زخرفي يشبه السنام.

وأوضح الباحث أن القلعة الثانية تقع شمال الأولى، مشكلة ركناً من الحصن وتقع قرب طوي (بئر) اليفر، وهي مدورة أيضاً إلا أنها ضخمة جداً. أما القلعة الثالثة فتقع في ركن الحصن الغربي، وهي مخروطية الشكل، وبها باب من جهة الجنوب بعرض 70 سم وتتكون من طابقين: أرضي وأول مع شرفة فوق الأول، ويلاحظ عليها أنها مخصصة للدفاع، لما تتميز به من فتحات مختلفة من الجوانب الأربعة في الأقسام الثلاثة، أما القلعة الرابعة فهي غير موجودة الآن، وهي مربعة الشكل.

* استدامة التراث

في الفصل الرابع من الكتاب تناول د. سالم الطنيجي موضوعاً حيوياً ومحورياً وثيق الصلة بفكرة الكتاب، وهي استدامة التراث من خلال عمليات المحافظة وإحياء المعالم التاريخية والتراثية، وقد اشتمل هذا الفصل على العديد من المحاور التي أضاءت على مادة الكتاب ومنها: (أهمية التراث الثقافي، طرق وسياسات حفظ التراث، الحفاظ على التاريخ من خلال المباني، الإحياء يعزز قيمة الممتلكات، البعد الوظيفي لحصن الذيد في الفترة الراهنة، التنوع الثقافي للسكان، تطوير التراث الثقافي والاقتصادي المستدام، وغيرها من العناوين).

يعد حصن الذيد يعد معلماً تراثياً مهماً في إمارة الشارقة، ويؤكد الكاتب ضرورة المحافظة على هذه المباني، بما تنطوي عليه من قيمة معنوية، فهي بالتأكيد ليست مجرد أبنية حجرية، وإنما تحمل تاريخاً وذكريات حملت بصمة لأناس مروا في ذاكرة هذه المباني فصنعوا أحداثاً لا تنسى، ومن الأهمية بمكان أن نرصد هذا الأثر، وهذه الذاكرة، لتتعرف إليها الأجيال الجديدة، فكل معلم من هذه المعالم يحمل بصمته وذكرياته الخاصة، وهي في مجملها معالم تحكي قصة الإنسان، يقول: «تعد المحافظة على المباني التراثية عنصراً حيوياً في جهود التنشيط العمراني، وهناك مجموعة متنوعة ومثيرة للإعجاب من النظر في الطرق العديدة التي تساعدنا في الحفاظ على المباني التراثية جميعاً، وغالباً ما تكون السياحة التراثية متجذرة في المباني التاريخية، وهذه الروابط القوية الملموسة مع ماضينا هي الطرق التي يتواصل بها الناس اليوم مع الماضي، كما يتم قبول المباني التراثية بشكل متزايد كأماكن مهمة تربط الجيل الجديد بالجيل الأقدم، وبالتالي كأماكن لاستخدامها في التعليم والمواطنة، كما أن تنشيط الأحياء القديمة في هذه المباني، يضمن تحسين نوعية حياتنا، والحفاظ على التماسك المجتمعي».

ويرى الكاتب أن الحفاظ على هذه المعالم، يمثل إحياء يعزز قيمة هذه الممتلكات، ويضرب أمثلة في العديد من الدول ومنها الولايات المتحدة؛ حيث ارتفعت القيمة المادية والمعنوية لهذه المباني، وهو يرى أيضاً أن الحفاظ على هذه المباني يمثل استثماراً في المستقبل؛ حيث أصبحت الحاجة مُلحة إلى هذه المواقع ذات الأهمية الثقافية والمعمارية في الشارقة التي تمتلك مباني تراثية من بيوت وقلاع وأبراج وحصون وأماكن دينية، ما جعل إحياء هذه المباني أمراً ملحاً يتناغم مع مشروع الشارقة الثقافي؛ وذلك في مواجهة ارتفاع السياحة الحضرية؛ حيث تعد المناطق القديمة كما يؤكد الكاتب، موارد للمستقبل، وسوف تكون لها قيمة أكبر، لأن الناس سيقدرونها أكثر.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/fz6my79p

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"