عادي

الحبس 4-4

22:49 مساء
قراءة دقيقتين
1
عارف الشيخ

د. عارف الشيخ

فصلنا القول في الحبس في المقالات الثلاثة الماضية، فذكرنا في البداية تقسيم الحبس إلى قسمين رئيسيين هما: الحبس لعقوبة أو تعزير، والحبس للاستيثاق.

ثم قسمنا الحبس للاستيثاق إلى ثلاثة أقسام فرعية؛ هي: الحبس للتهمة، والحبس للاحتراز، والحبس لتنفيذ عقوبة أخرى، وبقي أن نبين نوعاً آخر من الحبوس لسبب مهم هو: الحبس بسبب الاعتداء على الدين بكل أشكاله؛ إذ يعتبر الشرع من تعرض للذات الإلهية أو أساء إلى الرسول أو القرآن أو الكعبة مثلاً عن عمد، مرتداً خارجاً عن الملّة.

إزاء هذه الردة للفقهاء قولان: قول إنه يحبس حتى يستتاب؛ إذ إنه لا يقتل مباشرة، وهذا رأي جمهور الفقهاء، ودليلهم ما روي عن عمر، رضي الله عنه، أنه أخبر عن قتل رجل ارتد عن دين الإسلام، فقال لقاتليه: أفلا حبستموه ثلاثة أيام، وقدمتم له خبزاً فإن لم يتب قتلتموه؟ ثم قال: اللهم إني لم أحضر ولم آمر ولم أرض لما بلغني أمره.

استدل الفقهاء بهذا الموقف من عمر؛ حيث إنه رأى أن يعطى فرصة ثلاثة أيام لعله يرجع عن ردته، بدليل أنه أنكر تصرف تنفيذ قاتليه، والصحابة لم يعترضوا على عمر لما أنكر، فسكوتهم إجماع، انظر: «الخوشي» ج8 - ص65، و«المغني» لابن قدامة ج4 - ص124 - 125، و«الأحكام السلطانية» للماوردي ص 56.

والقول الثاني يقول إن حبس المرتد لاستتابته قبل قتله ليس بواجب؛ بل مستحب، وبهذا قال السادة الأحناف، ومن مشى على رأيهم كالحسن البصري وطاووس وغيرهما.

وحجة من قال بعدم مشروعية الحبس للمرتد هو الحديث الذي قال: من بدّل دينه فاقتلوه. (رواه البخاري)، وبرّروا ذلك بأنه ارتد عن قصد.

وهناك نوع آخر من الردة وهي الزندقة، أي أنه يبطن الكفر ويظهر الإسلام، والزنديق للعلماء فيه قولان أيضاً: قول إنه يقتل ولا يستتاب، وهذا القول ينسب إلى مالك ومن وافقه من المذاهب الثلاثة.

والقول الثاني إن الزنديق يعامل معاملة المرتد فيحبس للاستتابة، وهذا رأي الأحناف والشافعية والحنابلة، وحجتهم أن الرسول كان يعلم عن حال المنافقين، لكنه لم يقتلهم على نفاقهم، انظر: «حاشية ابن عابدين» ج3 - ص 292، و«المغني» ج8 - ص 126.

وقالوا إن من سب أحداً من أهل بيت النبوة يضرب ويحبس طويلاً ولا يترك حتى يعلن توبته.

ويقاس عليه من سب الصحابة، إلا أنهم استثنوا سب عائشة، رضي الله عنها، فإنه موجب للاستتابة فإن لم يتب الفاعل قُتل، لأنه أنكر ما أثبته القرآن، انظر: «الشرح الكبير» ج4 - ص312، و«حاشية ابن عابدين» ج4 - ص69، و235.

ومنكر الصلاة عمداً مرتد، وكذلك من يفطر في نهار رمضان عمداً جاحداً فرضيته، وحبس الجاسوس المسلم مشروع أيضاً، ويطال حبسه حتى يعلن توبته.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4rnvy9aa

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"