عادي

مفاوضات «أستانا» بشأن سوريا.. النهاية!

23:22 مساء
قراءة 4 دقائق
اجتماع استانا

د. محمد فراج أبو النور*

انعقدت محادثات الجولة العشرين لمسار آستانا للتسوية السورية في العاصمة الكازاخستية (20-21 يونيو) بالتوازي مع المحادثات الرباعية الخاصة بتطبيع العلاقات السورية- التركية، والتي تضم الدول الثلاث الضامنة لمسار آستانا ( روسيا وتركيا وإيران) بالإضافة إلى سوريا نفسها، وهي المرة الأولى التي تجري فيها محادثات المسارين (التسوية والتطبيع) في نفس المكان والزمان وبنفس تشكيل الوفود.

المحادثات التي جرت على مستوى نواب وزراء الخارجية، جرت وسط تصعيد عسكري كبير قامت به تركيا والفصائل التابعة لها في الشمال السوري ضد القوات الكردية، ما أدى إلى مصرع عشرات من أفرادها وبعض قياداتها. كما أدت اعتداءات «جبهة النصرة» في منطقة إدلب إلى جرح عسكريين سوريين ومصرع عسكري روسي، وهو ما ردت عليه القوات الروسية بقصف مواقع «النصرة» حول مدينة إدلب. كما دفع الجيش السوري بقوات كبيرة إلى محيط مدينة «منبج» شمالي حلب لقطع الطريق على حشود تركية قرب المدينة.

واضح أن تركيا، المستاءة من بطء مسيرة التطبيع، أرادت تسخين أجواء المباحثات وممارسة ضغط عسكري على الأطراف الأخرى المشاركة فيها، ومعروف أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مارس ضغوطاً سياسية شديدة على موسكو ودمشق، لحمل الرئيس السوري بشار الأسد على عقد قمة معه لاستخدامها كورقة في معركته الانتخابية. لكن أقصى ما استطاع الحصول عليه كان عقد اجتماع لوزراء خارجية رباعي مفاوضات التطبيع (روسيا وسوريا وتركيا وإيران) في موسكو يوم 10 مايو الماضي.

سقف التوقعات

لهذا فقد وجدنا تصريحات نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوجدانوف (رئيس وفد موسكو في المفاوضات)، حول إنجاز «خريطة الطريق» لتطبيع العلاقات السورية- التركية، كمهمة لمفاوضات آستانا، ووجدناها تصطدم بتحذير الناطق الرسمي للكرملين سيرجي بيسكوف من «رفع سقف التوقعات»، بالرغم من تعبيره عن ارتياح الكرملين لعملية التفاوض في حد ذاتها، وهو نفس ما حذر منه السفير الروسي في دمشق اليكسندر يفيموف قبلها بأيام، لافتاً النظر إلى تباعد مواقف دمشق وأنقرة، وإلى أن ما تم تدميره خلال اثني عشر عاماً لا يمكن استعادته خلال أسابيع أو أشهر قليلة.

رئيس الوفد السوري في محادثات آستانا أيمن سوسان، أكد منذ اللحظة الأولى على موقف دمشق الذي سبق أن عبّر عنه بأشكال مختلفة كل من الرئيس الأسد ووزير الخارجية فيصل المقداد، حيث أكد سوسان أن المدخل الوحيد لأي «علاقة عادية» بين سوريا وتركيا هو «الانسحاب التركي من الأراضي السورية وفق جدول زمني واضح»، وأن هذا هو ما يمثل الأساس الضروري لبحث الملفات الأخرى، مثل عودة اللاجئين ومكافحة الإرهاب وغير ذلك من القضايا.

بل إن تركيا تريد استغلال انشغال كل من روسيا وأمريكا في الحرب المشتعلة في أوكرانيا لتحقيق خطتها القديمة في احتلال «شريط أمني» في الأراضي السورية بعمق (30 كم).. أي ما يبلغ نحو سدس مساحة سوريا! متضمناً بالطبع إدلب وجيب «رأس العين- تل أبيض»، وهو ما أعلنه أردوغان مراراً.. وعلى أن تظل إدلب بؤرة لوجود الإرهابيين من «النصرة» وغيرها. كما يريد أردوغان أن تتعاون معه دمشق في القضاء على «الكيان الانفصالي الكردي» ليس من أجل إقامة دولة وطنية موحدة، ولكن باعتباره كياناً إرهابياً كردياً، مع الحفاظ في الوقت نفسه على الكيان الإرهابي في إدلب، بما يمثله هذا الكيان وخاصة في إدلب من خطر جسيم على أمن وسلام المنطقة بأسرها.

وبديهي أن ترفض سوريا هذا المفهوم «الانتقائي» للإرهاب الذي يتم إسباغه على أعداء تركيا، بينما ترفض أنقرة وصف «النصرة» وغيرها من المنظمات الإرهابية المصنفة دولياً به، بل وتطالب بإشراكها في الحل وفي تحديد مستقبل سوريا.

أما بالنسبة لقضية اللاجئين، فتريد تركيا إعادتهم إلى سوريا وتوطينهم في المناطق المحاذية لحدودها ليشكلوا حزاماً لحمايتها، كما ترفض العودة إلى (اتفاقية أضنة- 1998) التي تعطيها الحق في مطاردة «الإرهابيين» في عمق سوريا، وفق ضوابط محددة، ولمساحة خمسة كيلومترات، أو حتى التفاوض حول زيادة معقولة لهذه المسافة.

حسابات خاطئة

واضح أن أنقرة قد راهنت طوال الفترة الماضية على أن التعقيدات الشديدة للمواجهة الروسية مع الغرب، ستجعلها قادرة على الضغط على موسكو لتضغط بدورها على دمشق لقبول «التطبيع» بشروطه. لكن الوقائع أثبتت خطأ هذه الحسابات.

والحقيقة أن العلاقات الروسية- التركية نموذج شديد الخصوصية في طابعها البراغماتي، وما تحفل به من تناقضات ورهانات معقدة.. لكن روسيا تدفع ثمن علاقاتها بأردوغان، من خلال أشكال مثل إمدادات الغاز، وقبول وساطته في صفقة الحبوب الأوكرانية، وصواريخ (إس- 400) ومحطة الطاقة النووية، وغيرها، ولكن ليس من خلال مصالحها الاستراتيجية في منطقة بالغة الأهمية كالشرق الأوسط.

كما أن علاقات أردوغان بالغرب عموماً، ليست جيدة بالدرجة التي تجعله قادراً على الاستغناء عن الميزات التي توفرها له علاقاته بروسيا، فضلاً عن الصين ومجموعة البريكس وإيران، فضلاً عن الصدام بأمريكا وتدهور علاقاته بالدول العربية، إذا أقدم على مغامرة عسكرية في سوريا.. وهكذا يظل استمرار التفاوض ضرورياً، من أجل التوصل إلى صيغة عادلة ومقبولة للتطبيع التركي في سوريا.

لأجل ذلك، من الواضح أن مسار آستانا استنفد دوره، وحقق ما يمكن تحقيقه من خلال تهدئة الأوضاع ومناطق خفض التصعيد، من دون أن يتمكن من الدفع باتجاه التسوية السياسية والأمنية. من هنا جاءت الدعوة من دولة كازاخستان المضيفة إلى وضع نهاية لمسار آستانا، والبحث عن مسار آخر يمكن أن يكون أكثر جدوى.

* كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4xbvn84v

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"