وحدة الدول واتفاقية أعالي البحار

00:28 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمد خليفة

أعلنت الأمم المتحدة إقرار المعاهدة الدولية لحماية أعالي البحار يوم الاثنين الماضي، ووصف الأمين العام للمنظمة بأنها إنجاز تاريخي. ومما لا شك فيه أن اتفاق العالم على أمر ما، يُعد أهمية كبرى بعد الخلافات والانشقاقات حتى في القضايا المصيرية.

  لقد اعتمدت دبلوماسية الأمم المتحدة مجموعة من المبادئ والأطر، والتي من أهمها مبدأ حرية الحركة في أعالي البحار؛ فالقوة الحقيقية في الدول مرهونة إلى حد بعيد  بانسجام الخيارات السياسية والاقتصادية بين الدول. فالاهتمام بمعاش الناس وأمنهم الاقتصادي والاجتماعي، يُعدُّ من الضرورات القصوى لأي نظام سياسي، لما للبحار من أهمية اقتصادية وجغرافية. إنّ التوقيع على هذه الاتفاقية سوف يعزز من وتيرة التعاون والتكامل بين كافة دول العالم، حيث إن اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار- أعالي البحار أو البحر العام- تعرف بأنها منطقة حرة متاحة أمام جميع الدول وليست ملكاً لدولة معينة، وبالتالي يحق لأية دولة أن تستخدم أعالي هذه المنطقة في الصيد والبحث عن الخامات المعدنية والإبحار والملاحة من دون أية عوائق، وقد تم تحديد أعالي البحار بأنها المنطقة التي تقع خارج الحدود الإقليمية للدول والمحددة بمسافة اثني عشر ميلاً بحرياً من حدود الشاطئ، وأيضاً خارج المناطق الاقتصادية الخالصة، والتي تمتد إلى مسافة مئتي ميل بحري من حدود الشاطئ.

  وتمثّل مساحة أعالي البحار أكثر من 60 في المئة من محيطات العالم، وهي تغطي مساحة 140 مليون ميل مربع، أي ما يقرب من اثنين وسبعين في المئة من سطح الأرض. ورغم أنه لم يكن هناك إطار دولي ناظم لتلك المناطق الواسعة، لكن الدول، ولاسيما الأوروبية منها، قد بدأت منذ القرن السابع عشر في الاتفاق فيما بينها على حرية الحركة في أعالي البحار؛ بسبب ما كانت تتعرض له قوات كل منها من كمائن القراصنة التابعة للدول الأخرى، والتي كانت تتنافس جميعها على الاستعمار، ولا سيما في القارة الأمريكية.

   وقد ساد منذ ذلك الوقت، عرف دولي يحصر البحار الإقليمية في حزام ضيق، أما باقي المساحات البحرية فهي مشاعة للجميع من دون استثناء. غير أن التحولات الكبرى التي حدثت في القرن العشرين، وزيادة عدد الدول، واتساع نشاطها في البحار، قد جعل من الصعب الاستمرار في تطبيق ذلك العرف، بل كان لا بد من وجود إطار قانوني دولي يحدد البحر العام، وكيفية الاستفادة من ذلك الحيز الجغرافي الواسع من قبل مختلف الدول سواء أكانت شاطئية أم لا. وقد كان أحد أهم الموضوعات التي كانت مثار خلاف بين الدول، هو إدارة المشاعات في مصايد الأسماك الدولية، بالنظر إلى أن الأسماك متحركة، وقد وجدت الدول الشاطئية أنه على الرغم من إنشاء المناطق الاقتصادية الخالصة، إلا أنها كانت تشارك بعض هذه الموارد مع جيرانها.

ورغم أن اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، تمنح الدول الشاطئية حقوقاً شبه حصرية لمصايد الأسماك من سواحلها إلى مسافة 200 ميل، لكن تلك الاتفاقية لم تكن حاسمة فيما يتعلق بالأنواع «العابرة للمناطق»، ما أدى إلى الحاجة إلى مناقشة واضحة حول موضوع من يجب أن يحق له الوصول إلى هذه الموارد وإدارتها. وأيضاً فإن الصيد الجائر وإلقاء النفايات المختلفة في البحر العام قد ألحق أذى كبيراً بالبيئة البحرية الدولية بشكل عام، ومن هنا برزت الحاجة إلى قانون دولي خاص بأعالي البحار، وهو الأمر الذي تحقق، بعد أن وافقت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة في الشهر الماضي على نص أول معاهدة  لحماية أعالي البحار، وتهدف المعاهدة إلى وضع إجراءات للتحقق من المشاريع الاقتصادية والبعثات والأنشطة الأخرى في البحار للتأكد من توافقها مع  البيئة،  كما تهدف المعاهدة أيضاً إلى وضع التنوع البيولوجي في أعالي البحار تحت الحماية الدولية الملزمة. وأيضاً جعل ثلاثين في المئة على الأقل من محيطات العالم مناطق محمية مستقبلاً من أجل تحقيق الموازنة الإيكولوجية في الأرض.

  غير أن ما قد يعترض تلك الاتفاقية هو كيفية التعامل مع أساطيل وغواصات الدول الكبرى التي تتخذ من أعالي البحار مقارّ لها، والتي تساهم بنسبة كبيرة في تلوث البيئة البحرية من خلال المخلفات التي تخرج منها، كما أن المحيط الهادئ وهو أكبر محيطات العالم وأكبر المناطق الخالية من البشر في الأرض، قد بات ساحة صراع بين الأقطاب الدولية المتنافسة، فكيف يمكن للاتفاقية الدولية لأعالي البحار أن تتعامل مع تصرفات القوى العظمى؟ وهل يمكن لها أن تضبط إيقاعاتها، وخصوصاً في ما يتعلق بالأساطيل وحاملات الطائرات المنشورة في مختلف بحار ومحيطات العالم؟.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2rc2xjs4

عن الكاتب

إعلامي وكاتب إماراتي، يشغل منصب المستشار الإعلامي لنائب رئيس مجلس الوزراء في الإمارات. نشر عدداً من المؤلفات في القصة والرواية والتاريخ. وكان عضو اللجنة الدائمة للإعلام العربي في جامعة الدول العربية، وعضو المجموعة العربية والشرق أوسطية لعلوم الفضاء في الولايات المتحدة الأمريكية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"