اتّقاء شمس الأصيل الثقافية

00:10 صباحا
قراءة دقيقتين

ما رأيك في بعض الدغدغات نمتحن بها حِلم الأوضاع الثقافية في العالم العربي؟ في الحقيقة اللاحقيقية، والواقع اللاواقعي، تبدو الأوساط المشتغلة بالشؤون الثقافية، العاملة الموظفة في الحقول ذات العلاقة بالثقافة، غير معنية بتقويم الحالة الثقافية العربية. هي تؤدي عملاً محدداً في نطاق معيّن ضمن جدول أعمال مرسوم، ولا يهمها هبوط مكونات الثقافة في محيطها العربي الكبير. الجواب جاهز بسرعة بديهة: «لا تزر وازرة وزر أخرى»، وبالقياس الجناسي الظريف: إن وزارة لا تزر وزر أخرى.

من أخطر الفخاخ أنك إذا أنحيت باللائمة على الإنتاج الأدبي والفني المنفلت من الضوابط والقيم الأدبية والفنية، سلقوك بألسنة حِداد، لأنك، في نظرهم، تريد إطاحة نظام ديمقراطية «الإبداع»، وإعادة نظام ديكتاتورية الرقابة، لخنق حريات الفكر والرأي والتعبير. والدليل أن المثقفين التقليديين، «الدقة القديمة»، لم يجرؤ أي منهم حتى على الهمس بكلمة، حين غزت جحافل الذكاء الاصطناعي كل ديار العلوم والمعارف، واستولت على الترجمة، وكتابة التحقيقات وتلخيص المقالات والدراسات والكتب، وغدت ترسم وراحت تؤلف الموسيقى. هل الآلة الذكية أحق من ذوات القائمتين، عدا الطيور؟

قلت للقلم: قف عند حدّك، حسبك، فالمثقفون لديهم في الأدراج ردود مفحمة، سريعة الاشتعال، وثاني أوكسيد كاربونها فتّاك. ماذا تقول إذا قالوا: هل تتوهّم يا هذا أن الثقافة بشتى مكوّناتها ولغات تعبير إبداعها، منفصلة عن محركات الإرادة العامّة، وشحنات الطموح العام؟ ثمة بلدان باتت في جميع المجالات «على الحديدة»، وأنت تطالبها بأن تكون على السكة الحديد قطارات مغناطيسية معلقة. ما فعلته الأيدي الخفيّة الظاهرة، منذ عقود بعيدة، هو أن يمسي العالم العربي قطع لعبة «بازل» متشابكة وغير متشابهة، حتى يحتاج الأمر إلى معجزة لجمع شملها. أنت لكي تجمع العرب على كلمة سواء في عمل مشترك، تحتاج بالضرورة إلى أن تكون بيئتهم وظروفهم ودوافعهم وإمكاناتهم التنموية ورؤيتهم للحاضر والمستقبل، يتوافر فيها حدّ أدنى من القابلية للتناغم والتكامل في سبيل ضمان جدوى التعاون، وإلا فكيف تستطيع التوفيق في الإيقاع بين شخصين، أحدهما راجل والآخر سرعته مئتا كم/ساعة؟

قال: لكن، على المثقفين والإعلاميين أن يدركوا بجد أن هبوط الفنون، وفقدان العالم العربي بوصلته الثقافية، فيهما إشارات وتنبيهات غير سارة. الغروب الثقافي ينذر بالكثير. إلى اليوم لا نرى أن مفكرينا ومثقفينا يدركون أن الهبوط الثقافي قضية سياسية مصيرية.

لزوم ما يلزم: النتيجة التحذيرية: شمس الأصيل الثقافية العربية، شيء، وتلك الرائعة الكلثومية شيء آخر.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4z6f59an

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"