جوهر الجدال بين توماس كون وكارل بوبر

20:51 مساء
قراءة 3 دقائق

د. عبدالعظيم حنفي*

حاولت دراسات اقتصادية تصنيف مجموعة من اهتمامات المجتمع الأكاديمي، لتوفير وضوح مفاهيمي لتأثير العلم على المجتمع، وبمدلول يختلف كثيراً عما كان عليه الحال من قبل.

لقد كانت دراسة «العلم»، باعتبارها نشاطاً اجتماعياً / ثقافياً يهيمن عليها تقليدياً،«بقوة» التاريخ والفلسفة، كما أنها كانت تعامل باعتبارها منظومة فرعية لهذه المجالات المعرفية. وهكذا فإن تاريخ العلم قد وصف نشوء العلم، باعتباره نشاطاً ثقافياً، من خلال التسجيل (الزمنى) التفصيلي لاكتشافاته وإنجازاته المتنوعة، وعن طريق وصف حياة مشاهير العلماء، ورسم كيفية تحويله إلى حرفة من خلال نشوء أهم المعاهد الخاصة به. وكانت المعالجة في مجموعها منهاجية ومتخصصة

وكان الحال مشابهاً مع فلسفة العلم التي انتقلت من اهتمامها الأصلي بطبيعة المادة (دراسة الفلسفة الطبيعية ) إلى اهتمامات أكثر تخصصاً تتعلق بطبيعة الفروض العلمية والقواعد التي تحكم قابليتها للتطبيق والقبول، بما فيها تلك القواعد المتصلة بالدليل (البرهان) العلمي. ولم يكن هناك إدراك عميق يمكن من خلاله توقع أن يبدى الفلاسفة رأياً بخصوص مسائل تتعلق بسياسة العلم. وعلى عكس ذلك، كانت هذه المسائل تتحدد بالرجوع المباشر إلى المجتمع العلمي من خلال المعاهد الممثلة له أو من خلال مراكز النشاط المهني الخاصة به (الجامعات على سبيل المثال).

وكان لابد لعدد من التطورات أن يبدل هذه الأحوال. وأولها، التكاليف المتنامية للإنفاق على العلم، والحاجة إلى «سياسة علم» أكثر صراحة من جانب منظمات الحكومة المتناثرة في داخل المجتمع الأكاديمي والتي وجدت نفسها والطلب يتزايد عليها لكى تعطى المشورة بشأن كافة صنوف قضايا السياسة وهي المشورة التي لا يمكن بحكم طبيعة الأشياء، أن تكون لا مبالية، طالما أنها تصدر عن«متخصصين». وثانيها، أنه قد حدث رغم ذلك عدد من التطورات الفكرية (الثقافية) التي وفرت دافعاً لصلاحية دراسة «العلم» بطريقة تتسم بتداخل المناهج.

وكان نشر مؤلف توماس كون «بنية الثورة العلمية» هو الشيء الأكثر أهمية بين هذه التطورات. ففي أطار هذا التناول التاريخي والتجريبي لتطور العلم واجه کون «الاحتراف» بنقد تفصیلي، وأن غلب عليه أن يكون ضمنياً، لبعض الرؤى التي شاع التمسك بها بشأن طبيعة وتقدم المعرفة العلمية. فهو، على وجه الخصوص، قد ناقش كيف أن العلم باعتباره عملية اجتماعية - فكرية لم يكن دائماً عقلانياً كما يود له ممارسوه أن يكون. وهكذا فإن كون قد بين أن البحث والتطوير العلميين لم يكونا، حين الممارسة کشفاً متواصلاً «للحقائق» المتعلقة بالطبيعة، من خلال الاستخدام المتعاظم للتجربة وللسببية المنطقية. وأنهما كانا، على الأحرى، ذوى: خصيصة ثورية ودورية، وأنه كانت تأتى عليهما فترات طويلة تستقر فيها تقاليد علمية بعينها، حيث تتم صيانتها غالباً في مواجهة الأدلة التي تبدو وكأنها تنقض الأسس النظرية لهذه التقاليد. وقد ناقش توماس كون في إطار الجدل الشهير بينه وبين كارل بوبر كيف أن العلماء لا يتصرفون بالأساليب التي يشعر بوبر أن عليهم اتباعها ( أي برعاية معايير العلم الصحيح )، ولكنهم في الحقيقة يؤدون وظائفهم باعتبارهم مجموعات اجتماعية، غالباً ما تعمل وهى معرضة للتأثيرات النمطية لأساليب العمل والمستحدثات، وللإغواء السياسي، وبعدئذ، وإن يكن بدرجة أقل، للعوامل الذهنية والحقيقة أن كون أقترب في بعض الأحيان من التأكيد على أن التطور الحقيقي للعلم إنما كان، ولا يزال إلى حد كبير، دالة لعلم اجتماع المجتمع العلمي، مثلما كان دالة للطريقة التجريبية. وبغض النظر عما يكون الفلاسفة قد قالوه، فمن المؤكد أنه (أي العلم) لم يكن يلتزم بقواعد بسيطة للمنطق.

وقد فجر مؤلف كون فيض بحوث يختص بالعلم كما يؤدى في الواقع، وكيفية تحوله إلى احتراف، وكيفية تأثير السلوك المؤسساتي للعلماء على المسائل الخاصة بالسياسة العامة.

* كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/d8b8zr6e

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"