عادي

«أجوان»... الخيال العلمي في خدمة الواقع

23:19 مساء
قراءة 4 دقائق
الرواية - نورة أحمد النومان

الشارقة: علاء الدين محمود

انتشرت روايات الخيال العلمي في البلدان العربية، عبر ترجمات لمؤلفات في هذا الضرب الإبداعي الذي عرفه الغرب، والذي أعلن عن علاقة جديدة بين الأدب والعلم ومكتشفاته، وبرز الكثير من الكتاب الغربيين الذين تخصصوا فيه، لينتقل إلى العالم العربي، عبر إصدارات مثل «روايات مصرية للجيب»، ومؤلفات لأدباء مثل أنيس منصور وغيره، ثم بدأ بالتعمق في ظل الثورة التكنولوجية الهائلة التي حدثت في الآونة الأخيرة، وظهر العديد من المؤلفين المتخصصين في هذا الأدب الذي يجد الآن شعبية كبيرة، ليس من قبل اليافعين فقط، بل وحتى الكبار أيضاً.

رواية «أجوان»، للكاتبة الإماراتية نورة أحمد النومان، الصادرة في طبعتها الثالثة في 2013، عن دار نهضة مصر، وتقع في 423 صفحة من القطع الصغير، ذات شعبية كبيرة؛ حيث إنها صدرت لأول مرة في عام 2012، عن ذات الدار، لتتوالى بعدها الطبعات، مما يشير إلى حجم القبول الذي وجده العمل، خاصة أن هذا الكتاب يعتبر أول رواية إماراتية في الخيال العلمي باللغة العربية، لذلك وجد احتفاءً كبيراً في الأوساط الإماراتية والعربية؛ حيث حصلت على جائزة أفضل كتاب لليافعين من جوائز اتصالات لكتاب الطفل في عام 2013، وهو الأمر الذي يبدو أنه قد حفز الكاتبة نحو مزيد من الإبداعات في هذا المجال، فتحول العمل إلى سلسلة، حيث أصدرت لها دار نهضة مصر الجزء الثاني من الرواية بعنوان «ماندان»، عام 2014، والجزء الثالث الذي حمل اسم «سيدونية»، عام 2016، ونسبة للنجاح الباهر، فقد أُنتج مسلسل خيال علمي كرتوني هو الأول من نوعه في الدولة، مبني على أحداث الرواية بشراكة بين «مؤسسة فن»، و«باراجون إنترتينمينت» ومنصة شاهد، في ما تعكف النومان على كتابة جزء رابع للسلسلة.

أحداث

تدور أحداث الرواية حول فتاة تُدعى «أجوان»، في ال19 من عمرها، يتعرض كوكبها للتدمير، ويتعرض شعبها للفناء، وتفقد عائلتها وأصدقاءها، لتعيش مشردة لاجئة بلا أسرة ولا دليل أو سند في حياة قاسية، وتزداد الأمور سوءاً عندما يُختطف ابنها، حينها تقرر مواجهة الصعوبات والعراقيل من أجل العثور على فلذة كبدها الضائع والذي لا تدري عنه شيئاً، ومن تلك اللحظة تخوض غمار حرب ضد مجموعات مسلحة مجهولة تغزو الكواكب الأخرى، ولا يُعرف لها هدف محدد، ومن خلال تلك الأحداث والضغوط التي تتعرض لها، تكتشف أجوان في دواخلها قوة خفية كانت نائمة وبدأت تفصح عن نفسها، لتبدأ رحلة الخلاص والبحث عن طفلها عبر الانضمام إلى قوات مسلحة، متحدية بذلك مبادئ شعبها المسالم، لتواجه أجوان العديد من المصاعب، خاصة تلك المتعلقة بقدراتها الخارقة، وكيفية تطويعها في خدمة أهدافها، وهو الأمر الذي تنجح فيه كثيراً، في رحلة بحث لم تعرف اليأس رغم طول السنوات، وهي المهمة التي يعرف القارئ تفاصيلها أكثر في أجزاء الرواية الثانية والثالثة، والتي يقبل عليها المتلقي بشغف كبير ليعرف ما آلت إليه الأحداث المشوقة.

ماندان وسيدونية

«ماندان»، و«سيدونية»، هذان هما عناونا الجزأين الثاني والثالث لرواية «أجوان»، واللذين يتابع من خلالهما القارئ بقية الأحداث، حيث إن أجوان لم يتسنَّ لها في الجزء الأول من الرواية الالتقاء مع ابنها، لكنها أقسمت ألّا تترك هذه المهمة الجليلة، وقررت أن تسمي ابنها الغائب المقيم في دواخلها ب«ماندان»، وهو اسم والد أجوان ذي المكانة العظيمة، وهو عنوان الجزء الثاني من الرواية، الذي يحمل تفاصيل البحث المضني عن الابن؛ حيث تلتقي أجوان مع عرافة تحذرها من مواصلة البحث، وهذه المنعطفات في الرواية والتي يصادفها القارئ منذ الجزء الأول، قصدت منها الكاتبة صنع حالة من التشويق المتواصل حتى لا يتسرب الملل إلى المتلقي، وهو الأمر الذي يستمر حتى لحظة معانقة القارئ لتفاصيل الجزء الثالث من الرواية «سيدونية»، والذي تبدو أحداثه بمثابة تمهيد لجزء رابع قادم؛ حيث إن الكثير من القضايا لا تزال معلقة لم تحسم، غير أن الشيء الجدير بالذكر تلك المقدرة للكاتبة على خلق حاضنة جديدة للأحداث والوقائع في كل مرة، حتى ينتقل معها القارئ إلى عوالم وحكايات جديدة، وهو أمر ملاحظ منذ بدء الأحداث في الجزء الأول، فرواية أجوان هي عبارة عن نقلات مشهدية عامرة بالصور والتفاصيل، بشكل مكثف، قائم في الأساس على الإثارة والتشويق، وإن كان لا يخلو من الرتابة في بعض الأحيان بفعل بعض التعمق في الوصف.

معانٍ

السرد الذي يعتمد على قوة الخيال بصورة أساسية، يحمل في داخله العديد من المضامين الإنسانية، فالرواية تريد أن يعمّ الحب والخير والسلام البشرية، وأن تسود قيم التراحم والتعاون بين الناس، كما تركز الرواية بصورة كبيرة على قضية اللجوء والمشردين واستغلال البشر من أجل تحقيق أجندات خاصة، وهو الأمر الذي يجعل الرواية على تماسّ كبير مع الواقع وأحداثه، فالقضية تشغل بال الناس حول العالم، والذين يطالعون في كل يوم في نشرات الأخبار صور ومشاهد «مراكب الموت»، وهي تحمل بشراً فرّوا من أهوال الحروب والصراع في بلادهم نحو ضفاف وشواطئ جديدة يحلمون فيها بعالم سعيد، وقد عمقت الرواية تلك الحالة من خلال بطلتها «أجوان»، التي عانت من قسوة اللجوء والتشرد، كذلك حفلت الرواية بموضوعات أخرى من الواقع الذي تعيشه المنطقة العربية، مثل التطرف وظاهرة الإرهاب التي تستغل لأغراض سياسية من خلال شخصية «الطارق»، والرواية تطل كذلك على عوالم المهمشين في المجتمع الذين يتم استغلالهم، كما أنها تشجع الصغار على حب العلوم، وتغرس فيهم متعة التفكير بالمستقبل، من أجل أن يصبحوا من خلال ذلك علماء.

رواية أجوان كتبت بأسلوب سلس، ونجحت الكاتبة في تقديم سرد لا يحلق بعيداً عن الواقع، بل يرتبط به وبأحداثه ووقائعه، فالعمل لم يستغرق كثيراً في عوالم اللامعقول والعجائب والغرائب إلا بما يخدم موضوع وفكرة الرواية؛ حيث كانت الحبكة والدراما هي الأساس في العمل، بينما استندت الخلفية إلى الخيال العلمي.

اللغة الأنيقة كانت هي بطل الرواية الأول؛ حيث تم توظيفها بطريقة جذابة وجميلة، كما جاء استهلال العمل بطريقة غير تقليدية، بحيث يضع القارئ مباشرة في قلب الأحداث، ففي الفصل الأول من الرواية والمعنون ب«الوطن»، نقرأ: «عادت الذكريات كموجة تسونامي عارمة تجتاح كل شيء، وتسرق الأنفاس، أغمضت عينيها ثانية، علّ الإغماءة تعود مجدداً، لكن جفونها المغلقة لم تخرس الأصوات، أو تمحُ الذكريات، ذكريات ثقيلة ثابتة لا تزحزحها أية قوة».

الناشر: دار نهضة مصر

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5dvzbtw7

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"