عادي

كارل شميت.. أكبر نقاد الليبرالية في القرن 20

14:32 مساء
قراءة 3 دقائق
كارل شميت

القاهرة: «الخليج»

كارل شميت (11 يوليو 1888 - 7 إبريل 1985) أحد أهم المفكرين الألمان، وأكثرهم إشكالية في القرن العشرين، لكن ذلك لا يعني أن فلسفة وفكر هذا «العقل الخطر» قد طواها النسيان، فشبحه مازال يلقي بظلاله على الفكر والسياسة الدولية، لأنه يعد من أكبر نقاد الفلسفة الليبرالية في القرن العشرين، ومن أهم المفكرين الذين ناقشوا إشكاليات السياسة والدستور والحريات العامة.

البعض يعتبره مفكراً رجعياً، لأنه ساند النظام النازي، بعد وصوله إلى الحكم في عام 1933، ومنهم من يرى فيه واحداً من أهم المفكرين السياسيين في القرن العشرين، لأن أفكاره ودقة تعبيراته لا تزال حية حتى الآن، فقد تأثر كثيراً بهزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى ومعاهدة فرساي، ولعل الدافع الخفي لفلسفته جاء بمثابة رد فعل عنيف على تلك الهزيمة.

في عام 1922 صدر الجزء الأول من كتاب كارل شميت «اللاهوت السياسي» (ترجمة رانية الساحلي وياسر الصاروط) وكان أول من استعمل هذا التعبير، وقد اشتق عنوانه من تأكيده في مطلع الفصل الثالث: «إن مفاهيم النظرية الحديثة للدولة كلها ذات الدلالة هي مفاهيم لاهوتية معلمنة» وبعد حوالي نصف قرن سوف يصدر الجزء الثاني من الكتاب.

  • مسائل سياسية

يبدأ شميت كتابه بالجملة التي اشتهرت كثيراً: «الحاكم السيادي هو من يقرر في الحالات الاستثنائية» وهو يقصد هنا الحالات التي تقع خارج نطاق القانون المرعي في الحالات العادية، وبالارتباط مع مفهوم السيادة، يسجل نقطة إيجابية لدستور جمهورية فايمار، في معرض نقده إياه وهي أنه، أي الدستور، أعطى الرئيس صلاحية إعلان حالة الطوارئ، وليس البرلمان الذي اعتبره غير فاعل، ويعتمد الحلول الوسط بعد نقاشات طويلة وعقيمة.

يشتمل الجزء السياسي من الدستور، بحسب شميت، على المسائل المتعلقة بالجمهورية والديمقراطية والبرلمانية، في المقابل فإن حقوق الإنسان الأساس وتوزع السلطات، تنتمي إلى الجزء الحقوقي منه، وبينما يرسم الجزء السياسي كيفية عمل الدولة، فإن الجزء الحقوقي يضع الضوابط والحدود لهذا العمل، والدستور في رأيه يحوي جزءاً سياسياً، وليس بالضرورة جزءاً حقوقياً، والدولة هي التي تصون حقوق المواطن الأساس، وهي التي تضع حدوداً لتلك الحقوق.

يقول كارل شميت: «إن السياسة هي قبل كل شيء القدرة على استكشاف العدو»، وهي ترتكز في نظره على التفريق الصارم بين الصديق والعدو، وهذا يعني أنه لا يمكن فهم السياسة إلا على أساس الصراع بين القوميات المختلفة وهو صراع قد يصل إلى مرحلة الحرب أولاً، ومن المعروف أن الحرب تمثل التحدي الأخطر في مجال السياسة لأنها مسألة حياة أو موت، وهذا ما تنساه أو تتناساه الليبرالية، ولهذا السبب ينتقدها شميت، فالليبرالية هي في نظره حرية الإنسان في أن يحيا حياة رديئة، الليبرالية تظل في نظره إيديولوجية المساومة وتمييع المواقف والمحافظة على السلام بأي ثمن.

ويضيف أن القائد السياسي لا تعرف أهميته وقدرته الحقيقية إلا في حالة الخطر الأعظم، أي حالة الاستثناء التي تستدعي اتخاذ قرار خطير كقرار الحرب مثلاً، ووفقا لذلك يجب على القائد أن يتمتع بصفات لاهوتية، ومن هنا نتج مصطلح السياسي أو السياسة كعلم مقدس، لأن القرارات الناتجة عنها تحسم مصير البشر والمجتمع.

لا تزال أفكار كارل شميت مؤثرة في صناعة القرار السياسي حتى الوقت الحاضر، وهو ما يظهر في الدور الفعال الذي يلعبه «المحافظون الجدد» من خلال أطروحاتهم التوسعية والاستراتيجية السياسية والعسكرية، التي يؤمنون بها، والتي تسعى إلى إرساء الهيمنة الأمريكية على منظومة العلاقات الدولية، حتى لو اضطر الأمر إلى استخدام كل الوسائل.

  • عزلة

في نهاية الحرب العالمية الثانية قبضت القوات الأمريكية على مفكرنا، ليحاكم في محكمة نورمبرغ، لكن التحقيق معه لم يثبت عليه أي تهمة، فأطلق سراحه، بعد أن أمضى أكثر من سنة في معسكر اعتقال، ثم عاد إلى مسقط رأسه في عام 1946 وقد أغلق في وجهه باب العودة إلى الوظيفة الأكاديمية.

عانى شميت في سنواته الأخيرة مرض التصلب الدماغي، وكان ذلك سبباً في نوبات من التوهم العصابي، أو الوسواس المرضي، الذي جعله يشعر بأنه محاصر، وملاحق بالأصوات، مرضه العقلي جعله يرى حشرات البق في كل مكان، ويخشى الملاحقة من أعداء غير مرئيين، وتوفي عن عمر يناهز ال 97 عاماً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/v8zzkhdf

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"