روما ومبادرة الحزام والطريق الصينية

22:34 مساء
قراءة 4 دقائق

د. عبدالعظيم حنفي*

تستبعد معظم الدراسات والتقارير الغربية أن تجدد إيطاليا اشتراكها في مبادرة الحزام والطريق «BRI» الصينية، والتي انضمت إليها في عام 2019 خلال عهد جوزيبي كونتي، رئيس الوزراء السابق، (وتحتفل الصين هذا العام 2023، بمرور عقد على مبادرتها، التي تشير أرقام «مركز سياسات التنمية»، إلى أن الاستراتيجية المتبعة لتنفيذها كانت «ناجحة إلى حد كبير»، فحتى عام 2021، وقعت الصين مذكرات تفاهم مع 140 دولة و32 منظمة دولية)

تحتوي اتفاقية إيطاليا التي مدتها أربع سنوات للمشاركة في مبادرة الحزام والطريق، على بند غير عادي للتجديد التلقائي عندما تنتهي صلاحيتها في مارس/ آذار 2024 ما لم تخطر روما رسمياً، بكين بنيتها الانسحاب قبل ثلاثة أشهر. وقد بدأ طرح فكرة انسحاب إيطاليا من المبادرة منذ فوز تحالف اليمينية، جورجيا ميلوني، في الانتخابات البرلمانية في سبتمبر/ أيلول 2022 لأنه قبيل تلك الانتخابات، وصفت ميلوني انضمام إيطاليا إلى مبادرة «الحزام والطريق» ب«الخطأ الكبير».

كان القرار الإيطالي عام 2019 مكسباً دبلوماسياً للصين في جهودها لاستخدام المبادرة لتوسيع نفوذها العالمي، لا سيما لمواجهة الولايات المتحدة، وباعتبار إيطاليا من الدول المؤسسة للاتحاد الأوروبي، ومن أركان مجموعة الدول الصناعيّة السبع، فضلاً عن موقعها التاريخي والثقافي في العالم الغربي، وفرصة لتعميق علاقاتها الاقتصادية والسياحية والثقافية والتكنولوجية والصحية وغيرها من المجالات مع روما، وإيجاد أسواق لبضائعها، فضلاً عن زيادة حضورها في أوروبا والاستفادة من موانئ إيطاليا، لاسيما ميناءي تريسيا وجنوة.. أما إيطاليا فكانت ترغب في الاستفادة من رأس المال الصيني من أجل تحسين البنية التحتية، وتحقيق النمو الاقتصادي..

بعد استقالة حكومة جوزيبي كونتي في فبراير/ شباط 2021، وتولي حكومة ماريو دراجي، عمل على تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة، كما اتبع سياسة «القوة الذهبية»، أي نظام الاستثمارات الأجنبي المباشر الذي قدّم عام 2012، والذي يسمح للحكومة بالتدخل في تعاملات الشركات لحماية الأمن القومي والأصول الاستراتيجية، ما أدى إلى تعقيد وصول المستثمرين الصينيين إلى التقنيات الاستراتيجية. ومن الأمثلة على ذلك، منعت حكومة دراجي شركة «هواوي» الصينية من توسيع شبكات الجيل الخامس على أراضيها، من دون أن تفرض حظراً شاملاً، وأوقفت استحواذ شركة صينية على شركة أشباه الموصلات الإيطالية «LPE»، كما تدخلت الحكومة في قضية شركة الأغذية «Verisem» التي كانت تجري محادثات مع شركة سويسرية مملوكة إلى حد كبير لشركة صينية للاستحواذ عليها. كما منع دراجي شركة صينية من زيادة حصصها في شركة «Robox» الإيطالية الرائدة في مجال التكنولوجيا. وفي إطار آخر، فتح تحقيقاً حول بيع شركة تصنيع طائرات مسيّرة لشركتين صينيتين في عام 2018. وعلى خطى سلفها، اتبعت رئيسة وزراء إيطاليا الحالية، جورجيا ميلوني، نهجاً متشدداً تجاه الصين.

هناك عدة مبررات داخلية للانسحاب الإيطالي من المبادرة، وأهمها أن المبادرة لم تحقق فوائد اقتصادية كبيرة لإيطاليا، حيث زادت الصادرات الإيطالية إلى الصين بشكل طفيف فقط، في حين ارتفعت الواردات الإيطالية من الصين، حيث بلغ إجمالي الصادرات إلى الصين 16.4 مليار يورو (18.1 مليار دولار أمريكي)، العام الماضي، مقارنة ب13 مليار يورو في عام 2019. وعلى النقيض من ذلك، زادت الصادرات الصينية إلى إيطاليا إلى 57.5 مليار يورو من 31.7 مليار يورو خلال الفترة نفسها، وفقاً لبيانات الحكومة الإيطالية.

ومع ذلك، يشعر مجتمع الأعمال الإيطالي الذي يعاني بالفعل من العقوبات المفروضة على روسيا، بالقلق، حيث وجه نظره نحو الصين بعد الوباء: قفزت الصادرات الإيطالية إلى الصين بنسبة 92.5 في المئة في الربع الأول من عام 2023 مقارنة بالعام السابق، مدفوعة بشكل أساسي بطفرة في الصادرات الدوائية. كما يرى بعض الخبراء الاقتصاديين في إيطاليا أن من شأن انسحاب مفاجئ من المبادرة أن يتسبب بعقوبات صينية في قطاعات رئيسية، مثل قطاع المنتجات الفاخرة، ما يؤدي إلى حلول بلدان مثل فرنسا محل إيطاليا. وأنه يمكن لرئيسة الوزراء اليمينية جورجيا ميلوني، أن «تعيد النظر في بعض أجزاء المذكرة»، أو تنسحب لكن مع «إنعاش» إطار عمل قائم أساساً يعرف باللجنة الحكومية الإيطالية الصينية، وبينما على ميلوني أخذ معاهدة شمال الأطلسي والبلدان الغربية في الاعتبار.. (لكن) لا يمكنها التخلي عن (مبادرة الحزام والطريق) لإرضاء الأمريكيين ومعاقبة شركات الأعمال التجارية الإيطالية.

ولذا تعمل ميلوني على عقد مفاوضات مع الصين قبل اتخاذ قرارها بعدم تجديد الاشتراك في المبادرة بغرض العمل على استمرار تعاونها الاقتصادي مع الصين.

كما أن هناك عوامل خارجية دافعة للانسحاب الإيطالي حيث تمارس الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي ضغوطاً على حكومة جورجيا ميلوني للانسحاب من المبادرة التي يعتبرونها بمثابة حصان طروادة في أوروبا، وأنها تسعى إلى إيقاع الدول في «فخ الديون»، وطريق لهيمنة الصين على العالم، وبجانب تلك الحرب الدعائية السلبية تم طرح مبادرتين لمواجهة الحزام والطريق الصينية:

مبادرة الاتحاد الأوروبي التي تعرف ب«مبادرة البوابة العالمية»، وانطلقت رسمياً في الأول من ديسمبر/ كانون الأول 2021. وتركز هذه المبادرة على الاستثمار في البنية التحتية، وتطرح استراتيجية جديدة لتعزز الروابط الذكية والآمنة في القطاعات الرقمية والطاقة والنقل، كما تسعى لتعزيز أنظمة الصحة والتعليم والبحث في جميع أنحاء العالم، أما كلفتها فتبلغ 300 مليار يورو، وينتهي العمل بها عام 2027.

* أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3u4mhbhx

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"