الفكر الاستراتيجي في نظرية اللعبة

22:00 مساء
قراءة 3 دقائق

د.عبدالعظيم حنفي *

تهتم دراسات اقتصادية أمريكية بأعمال ما يطلق عليه مجموعة «كولز». وهي مجموعة عمل اقتصادية سميت على اسم ألفريد كولز الذي كان خبيراً في جمع الثروات وكانت لديه أموال طائلة: وقد كان مهتماً بتمويل الأعمال الواعدة. فهو يمثل رمزاً للإدراك المتنامي لدى معظم خبراء الأعمال بأن اقتصاد القرن العشرين أصبح معقداً بدرجة فاقت قدراتهم على السيطرة عليه من خلال الطرق المألوفة للحدس واستقصاءات الهواة. وكان «كولز» يتميز بأنه اتجه لجناح البحوث الاقتصادية بالجامعات. وكان لتلك الجماعة إنجازات اقتصادية عظيمة من بينها نشر «نظرية الألعاب والسلوك الاقتصادي» عام 1944، وهو الكتاب الذى خصص لافتراض أن الناس أذكياء، ويمكن التوصل لوصف صارم لتوقع وتأثير أفعالهم على بعضهم بعضاً. (ترى دراسات أنه من الأفضل إطلاق مسمى الفكر الاستراتيجي على نظرية اللعبة).

وتذكر لنا تلك الدراسات أن جون فون نيومان كان قد وصل إلى برينستون عام 1930، وتزامن ذلك مع وصول أينشتين أحد أول وأهم اللاجئين على المستوى الفكري. وانضم كلاهما لمعهد الدراسة المتقدمة عندما أنشئ عام 1933. وعلى الرغم من أن فون نيومان دائماً ما كان يهتم بالاقتصاد، فإنه لم يكن قد تعمق فيه بالقدر الكافي بعد. وأقنع لاجئ نمساوي يدعى أوسكار مورجينستيرن، نيومان بأن يعمل على ورقة بحثية مبكرة حول المبادئ التي ترتكز عليها ألعاب المؤسسات التجارية في كتاب كامل النطاق. وهكذا تم تقديم التفكير الاستراتيجي للاقتصاد. كان من الواضح أن هناك عديداً من الصفات المشتركة بين ألعاب بعينها وبعض أوضاع ومواقف الأعمال، مع وجود استراتيجيات فردية صارمة أيضاً، كالتي تتعلق بتكوين التحالفات. وإذا كانت تلك هي نهاية الموقف، كان كتاب «نظرية الألعاب» سيصبح كتاباً قصيراً. وبدلاً من ذلك كان هذا الكتاب مجرد بداية. تضمن معظم الكتاب الذى كان يتكون من 600 صفحة لها طابع غريب على أصعب أنواع الرياضيات. واتضح أن فون نيومان قد اكتشف البرمجة الخطية لنفسه، ورأى الاقتصاديون أن الرياضيات التي عبأ بها فون نيومان كتابه كانت أكثر عمقاً وعمومية من «تحليلات النشاط» التي تم تطويرها في كولز، وأنها أساسية بشكل كبير للمشكلة الاقتصادية. ولكن لم يكن ذلك واضحاً بأي شكل في ذلك الوقت. أيضاً في خلال ثلاثين عاماً كان الاقتصاديون يستخدمون أدوات «معامل التحول الخطى» و«المتجهات المميزة» من «فضاء هيلبرت» والتي كان قد قدمها نيومان، ليعرض متغيرات نظامهم. ولكن بالنسبة لمعظم الاقتصاديين في شيكاغو خلال الحرب، كانت الرياضيات الصعبة التي وردت في «نظرية الألعاب» تمثل لغة أخرى. كانت جميع الجدائل الأربع للحركة الحديثة ممثلة في «لجنة كولز» في شيكاغو، ليس فقط بناء نموذج الاقتصاد الكلى القياسي الذى كان موكلاً للجنة بناءه في الأساس، والذى اكتسبت اللجنة شهرتها عن طريقه، ولكن أيضاً الاقتصاد الكلى الكينزى والاقتصاد الرياضي ونظرية اللعبة كذلك. وبما أن أوج لجنة كولز استمر في شيكاغو لمدة اثنتي عشرة سنة، من 1942 إلى 1954، فإن عمل اللجنة أكد على خصلات الغزل المختلفة في الأوقات المختلفة. وكان المجال الأوحد الذى حققت فيه «لجنة كولز» الريادة وحدها لمدة طويلة من الزمن هو مجال بناء النماذج. وساهمت المراكز الأخرى بقوة في المجالات المتبقية.

ولابد من تذكر، أن الاقتصاديين في كولز كانوا يستخدمون آلات جمع يدوية بدائية. فقد تم فقط البدء باختراع الحاسب الآلي الأول في ذلك الوقت، في برينستون بشكل أساسي، وذلك في ظل توفر حافز عنيف لحساب الأرقام الضرورية لبناء القنبلة الذرية. كان فون نيومان هو الوحيد بين الاقتصاديين الذى استطاع على الأرجح أن يعرف مدى قدراتهم. ولكن حتى في ذلك الوقت المبكر، كان يمكن على وجه التقريب تخيل الاحتمالات بعيدة المدى للحسابات اللحظية والتي لا تقدر بثمن حتى ولو كان من غير الممكن الوصول إليها بعد.

بعد الحرب، لم يستطع سوى عدد قليل أن يتخيلوا مدى تأثير مجيء الحاسوب والتطورات في تقنيات الرياضيات على إحداث تحول في منفعة الطرق الحديثة. فالحسابات التي كانت تمثل الهدف في البداية أصبحت الآن تتم فقط بضغطات قليلة على لوحة المفاتيح.

* أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2z3dtcwd

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"