ماذا حقق الهجوم الأوكراني المضاد؟

00:57 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. صلاح الغول *
مع مرور أكثر من شهر على انطلاق الهجوم الأوكراني المضاد، وبرغم أنه لا يزال في مراحله الأولى، يمكن تقديم تقييم أولي عن مدى ما حققه هذا الهجوم؛ في محاولة لاستشراف مستقبل الحرب الروسية-الأوكرانية التي دخلت شهرها السابع عشر.

مع بدأ الهجوم الأوكراني في 4 يونيو/ حزيران المنصرم، ولجت الحرب الروسية-الأوكرانية مرحلة جديدة، منذ بداية «العملية العسكرية الروسية الخاصة» في أوكرانيا، في 24 فبراير/ شباط 2022. واستغرقت المرحلة الأولى من الحرب شهراً، وبضعة أيام، واتسمت بتكثيف روسيا هجماتها على كييف ومدن الشمال الأوكراني. وتمثلت الأهداف الروسية أساساً، في احتلال العاصمة الأوكرانية وإسقاط نظام الحكم فيها، وإقامة حكومة موالية للكرملين. ولكن روسيا لم تفلح في تحقيق أهدافها، ومن ثم شرعت في تغيير استراتيجيتها وأهدافها الحربية، في أواخر مارس/ آذار 2022، بالسيطرة على إقليم دونباس بمقاطعتيه، دونيتسك ولوغانسك، وتأمين ممر أرضي عبر الجنوب الأوكراني يربط البر الروسي، بشبه جزيرة القرم. وهكذا، دخلت الحرب في مرحلتها الثانية التي استمرت حتى أواخر أغسطس/ آب، وحققت فيها روسيا تقدماً كبيراً في جبهتي الشرق (الرئيسية)، والجنوب (الداعمة). ولكن الوضع انقلب مع انطلاق الهجوم الأوكراني المضاد «الأول» في أواخر أغسطس/ آب، والذي حقق تقدماً كبيراً في الشرق والجنوب والشمال الشرقي، واستمر حتى أوائل نوفمبر/ تشرين الثاني، باستعادة القوات الأوكرانية السيطرة على مدينة خيرسون في الجنوب. وبعدها، دخلت الحرب في مرحلة جمود طويلة، واستنزاف مرهق للطرفين. وكانت معركة باخموت، وهي مدينة مساحتها 41.6 كيلومتر مربع، وعدد سكانها قبل الحرب نحو 71 ألف نسمة، أكبر دليل على ذلك. فقد استمرت المعركة أكثر من عشرة أشهر قبل أن تعلن القوات الروسية (ومجموعة فاغنر شبه العسكرية) السيطرة عليها، ولكن بكلفة مادية وبشرية هائلة، في 21 مايو/ أيار المنصرم.

ثم انطلق الهجوم المضاد الأوكراني الذي طال انتظاره كثيراً، في الأسبوع الأول من الشهر المنصرم، على جبهتين: الجبهة الشرقية الرئيسية مركّزاً على مقاطعة دونيتسك، والجبهة الجنوبية وبؤرته مقاطعة زابوريجيا.

وقد أحرز الهجوم المضاد الأوكراني بعض التقدم الجزئي؛ حيث تزعم أوكرانيا استعادة السيطرة على مجموعة من القرى في الشرق، وسيطرت على 130 كم مربع في الجنوب. بيد أنّ هذه نسبة صغيرة جداً من إجمالي الأراضي التي تسيطر عليها روسيا، لكن القوات الأوكرانية تواصل عملياتها الهجومية المكثفة في زابوريجيا ودونيتسك.

وبرغم أنه لا يزال في مرحلته الأولى، إلا أنّ الهجوم الأوكراني المضاد يضع القوات الروسية في حالة دفاعية، لاسيما في ضوء استمرار الدعم السياسي والعسكري الغربي لكييف بأحدث الأسلحة والمعدات الحربية، ووجود نقص في الأسلحة الروسية، خاصة الدقيقة والذخائر، والاضطراب السياسي والعملياتي إثر محاولة التمرد المسلح لمجموعة فاغنر شبه العسكرية في 23 يونيو/ حزيران الفائت.

ولكن الهجوم الأوكراني المضاد الثاني، مقارنة بالهجوم الأول في صيف-خريف 2022، بطيء جداً، بل «يسير أبطأ مما توقعه الناس»، وفقاً لتعبير رئيس هيئة الأركان الأمريكية، مارك ميلي، ولم يُحقق حتى الآن اختراقاً على طول خطوط القتال، في الشرق والجنوب. ولعل ذلك يُفسر الموقف التبريري الذي تتخذه القيادات العسكرية الأوكرانية؛ وفحواه أنّ المرحلة الأساسية من الهجوم المضاد لم تبدأ بعد.

ومع ذلك، يمكن القول إنه من غير المرجح أن يحقق الهجوم الأوكراني المضاد اختراقاً حاسماً، على الأقل مثلما فعل الهجوم الأول في أواخر أغسطس/ آب. وقد يُفسر ذلك بأن روسيا قد تعلمت من الهجوم الأوكراني الأول، واستأنفت حملتها الجوية والصاروخية على القدرات العسكرية والبنية التحتية الأوكرانية. إضافة إلى التقييم الأوكراني الضعيف للقدرات العسكرية الروسية في الخطوط الأمامية، وأيضاً التوقعات الأوكرانية المبالغ فيها من تدريب القوات الأوكرانية في الدول الأوروبية والمعدات الغربية المستخدمة في الهجوم.

الخلاصة، أن الهجوم الأوكراني المضاد لا يقدم أي دليل حتى الآن لحسم الحرب، أو لتحقيق أهدافه. وبرغم أن تجربة أوكرانيا تشير إلى أنّ هجومها المضاد غالباً ما يكون قصيراً، إلا أن ذلك الهجوم سوف يُفضي إلى قتالٍ طويل جداً، ودموي للغاية، ومستنزف للطرفين؛ ما قد يدفعهما إلى التفكير جدياً في التسوية السياسية؛ لكونها البديل الوحيد القابل للتطبيق لجميع الأطراف.

* متخصص في العلاقات الدولية والقضايا الجيوسياسية

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3f66d9v4

عن الكاتب

كاتب متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الجيوسياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"