عادي

السيف عند العرب... حكايات من ديوان الفروسية

15:38 مساء
قراءة 4 دقائق
فاطمة المعمري

الشارقة: علاء الدين محمود

اهتم العرب كثيراً بالأدوات التي لعبت دوراً في حياتهم اليومية وفي تاريخهم وبطولاتهم، خاصة تلك المتعلقة بالحروب، واجتهد الباحثون في مجال التراث كثيراً في التوثيق لتلك المفردات والأدوات، التي تعطي القارئ صورة وفكرة عن الحياة والمجتمع في ذلك الوقت.

كتاب «السيف في حياة العرب»، للكاتبة فاطمة المعمري، الصادر في طبعته الأولى، عن «اتحاد كتاب وأدباء الإمارات»، و«مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون»، عام 2018، يعد من المؤلفات التي تناولت بتقص كبير أحد أهم الأدوات والمفردات التراثية العربية؛ أي السيف، الذي لعب دوراً كبيراً في حياة العرب في العصور القديمة، ولم يكن مجرد سلاح للحروب أو الدفاع عن النفس، بل ارتبط بالكثير من المعاني السامية، فهو يحمل العديد من الدلالات مثل الفخر والفروسية والعزة.

1
فاطمة المعمري

الكتاب يقع في 372 صفحة من القطع المتوسط، ويضم إلى جانب المقدمة، العديد من المواضيع والعناوين مثل: «السيف في القرآن والسنة»، و«أسماء السيف وصفاته»، و«أجزاء السيف»، و«سيوف الفرسان»، و«ما كتب عن السيوف»، و«نقل السيوف ونحلها»، و«ما أضيف إلى السيف»، و«السيف في الشعر»، و«حكايا السيف»، و«رسالة الكندي في السيوف وأجناسها»، وغير ذلك من عناوين تقدم إحاطة كبيرة بالموضوع، إضافة إلى خاتمة وقائمة بالمراجع.

  • رمز العزة

الكتاب عبارة عن دراسة وافية تضمنت كل ما كتب عن السيف في التاريخ والتراث العربي والإسلامي، ويجمع بين عدة مناهج وأساليب بحثية، في استعراضه للسيف في جميع المعارف، وفي الأدب، والأشعار التي كتبت فيه، والأمثال الشعبية التي احتفت به، وجمعت الكاتبة الكثير من المراجع التي استندت إليها في بحثها، فالسيف في حياة العربي لم يكن مجرد زينة يتحلى بها في حله وترحاله، بل أداة يحمي بها نفسه، ورمزاً لعزته وكرامته، وقد افتتن به الشعراء، فأكثروا من ذكره وأبدعوا في وصفه، وبيان وقعه وأثره، فقد كانت له مكانة خاصة عند العرب، ويتناول الكتاب كذلك السيف وموقعه في الحضارات الأخرى.

1

يشير الكتاب إلى أن الإنسان قد ارتبط منذ القدم بالسلاح ارتباطاً قوياً، إذ كان هو وسيلته للدفاع عن نفسه، وصديقه الذي لا يفارقه، كما كان عنوان بطولته، فنظراً لحياة البدوي التي لا تتسم بالاستقرار، والمعرضة دائماً لمخاطر الصحراء، كان لابد له من سلاح يتمسك به، ويحمي به روحه التي يحملها بين كفيه في كل حين، ويحمي به ماله وعرضه وقبيلته التي تؤويه، وقد كان للسلاح مكانة عظيمة عند العرب حتى أنهم سموا أبناءهم وقبائلهم به، فهناك سيف وسهم وقعقاع وغير ذلك من الأسماء المتداولة والمعروفة عند العرب. ودارت حول السيف العديد من قصص الصحراء والحروب والانتصارات والخيانات، وحكايات العشق، والدماء والقوة والمنعة والإباء وغيرها من قيم وأشياء وسمات. اهتم العرب منذ القدم بأدوات القتال، واعتنوا بها عناية فائقة، وأطلقوا عليها أسماء كثيرة، وكان السيف دائماً في صدارة ذلك الاهتمام، فهو يمتلك مكانة خاصة من دون بقية الأسلحة المعدنية التي عرفتها الحياة البشرية، ولا تزال تلك المكانة قائمة، رغم تطور أدوات الحروب والقتال.

ويعرف الكتاب السيف بأنه سلاح للهجوم، يستعمل باليد، له نصل طويل، قد يكون مستقيماً أو مقوساً، وهو مصنوع من الحديد أو الصلب وله مقبض، ومر و بمراحل عديدة، فقد صنع أولا من الحجر، أو الخشب والعظم، ثم من النحاس والبرونز والحديد والصلب، كما اتخذ عدة أشكال منها الطويل والثقيل والمستقيم والعريض والضيق والمدبب والمستدير، وكذلك منها السيف ذو الحد الواحد أو ذو الحدين، حيث عرف عند العرب كأداة أساسية للدفاع عن النفس والقتال، وقد عدد الكندي في رسالته «السيوف وأجناسها»، من أنواع السيوف خمسة وعشرين نوعاً، كما يعد السيف من أكثر الأسلحة استخداماً، فقد لزم العربي في السلم والحرب، وقد قال الأحنف بن قيس: «لاتزال العرب عرباً ما لبست العمائم، وتقلدت السيوف».

  • حضارات وأساطير

يطوف بنا الكتاب في عوالم شكلت حكاية السيف منذ قديم الزمان، حيث لم تبدأ شهرته عند العرب، بل هو موروث حضارات قديمة، وكان ضمن الأساطير العالمية، وهو موجود في ثقافات متباينة، فقد تجلى في الحضارة الإغريقية، من خلال سيف ديموقليس، وفي التاريخ الروسي كذلك هناك الكثير من القصص والحكايات التي كان بطلها السيف، حيث كان يتم دفن الأمراء مع نصالهم التي وثقوا بها، وهنالك قصة أمير كييف سفياتوسلاف الشهيرة، عندما قام برمي سيفه في النهر كي لا يحصل عليه الأعداء، وكانت السيوف السلافية تقدر في جميع أنحاء العالم، فقد وضعتها السجلات العربية جنباً إلى جنب مع السيوف الفرنجية، كأفضل أدوات القتال المصنعة في أوروبا، وكان الشرقيون يعتقدون أن السيوف الأوروبية معجزة، وتمتلك قوة سحرية، إذ كانت روسيا أول دولة أوربية، بعد امبراطورية شارلمان في القرون الوسطى، قامت بإنتاج منتظم للسيوف التي كانت تحمل علامة مميزة.

ويشير الكتاب، إلى السيف لا يزال يمثل موروثاً تاريخياً ضخماً، ولا يزال مرتبطاً بقيمته الثمينة فهو يتقدم المواكب للتحية، ويشهر إيذاناً للاستعراض، ويقدم كأثمن الهدايا للزعماء، ويحمله الأمراء والشجعان في الاحتفالات الخاصة وفي الأعياد، وفي بعض الدول العربية يرفعونه ويرقصون به على أنغام الموسيقى الشعبية.

ويلفت الكتاب، إلى أن الإمارات من ضمن الدول العربية التي لا تزال تولي السيف اهتماماً واضحاً، وقد أثبتت الدراسة التي أعدها مركز التراث الشعبي لدول الخليج، مكانة الإمارات في مجال الحفاظ على الصناعات والحرف التقليدية، وكشفت الدراسة التي استندت إلى جولات ميدانية قام بها مجموعة من الباحثين عن وجود 23 حرفة شعبية يدوية مازالت تمارس داخل مجتمع الإمارات وتمثل مورد رزق للعديدين، ومن بين تلك الحرف صناعة السيوف.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yr25mkpn

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"