عادي
منظومة اقتصادية واستراتيجية متكاملة

الصين تصدّر القيم الآسيوية إلى العالم

23:44 مساء
قراءة 3 دقائق

القاهرة: «الخليج»

ينشغل العالم بحالة صعود الصين، وقبل عشر سنوات كان ما جذب المهتمين في العالم بهذا الصعود هو التفوق غير المألوف في التنمية الاقتصادية التي بلغت معدلاتها 10% في المتوسط، فضلاً عن أنها قفزت في بعض المناطق التي أحاطتها وفورات إنتاجية خاصة إلى 14%.

ومع مرور السنوات بدأ العالم يتبين أن هذا الصعود قد تجاوز حدود الصين كدولة، ليتحول إلى عملية يتسع مداها الإقليمي، وتصبح مؤشراً على قرب قيام منظومة اقتصادية واستراتيجية يُطلق عليها مسمى صعود آسيا، ينتقل معها مركز الجاذبية الدولية من الغرب إلى آسيا، وهي عملية متشابكة، تتصل حلقاتها ببعضها، حتى وإن ظهر لأول وهلة أن بعض هذه الحلقات قائم بذاته.

إن التحولات الكبرى في تاريخ الدول والشعوب لها خصائص تميزها، فحين تقع يكون وراءها قوة دفع من مجموعة عوامل متنوعة، كل منها يتحرك في مسار يخصه، وفي النهاية تتجمع كلها عند نقطة التقاء تأخذ بها معاً في تشكيل جماعي متناسق يصنع هذه التحولات.

يؤكد عاطف الغمري في كتابه «القرن الآسيوي.. الصين تغير ميزان القوى العالمية» أن هذا التطور كان من شأنه أن ينعكس على ميزان القوى العالمي، وطبيعة العلاقات الدولية، وكذلك على نظرة الولايات المتحدة لأبعاد هذه التحولات، وآثارها على مكانتها ودورها عالمياً وآسيوياً، وهو أمر وضعه الخبراء والمختصون في الغرب تحت أنظارهم، وتابعوه بالدراسة والتحليل، حتى إن كثيرين منهم يرون أن بنية النظام الدولي في القرن الحادي والعشرين سوف تختلف عن النظام الذي ظل الغرب قروناً يحتل مركزه، أولاً من جانب أوروبا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وثانياً حين انتقلت قيادته إلى الولايات المتحدة في القرن العشرين، وأصبح لديهم اقتناع بأن النظام القادم سوف يعكس بالضرورة القيم الآسيوية بعد عصور كان فيها الغرب هو مركز الإلهام في العالم.

تحوّل

يرى الغمري أن صعود الصين بوصفها قوة مركزية لهذا التحول في الشأن الآسيوي يمثل متغيراً أساسياً مفعماً بالقوة والنشاط، في مطلع القرن الحادي والعشرين، وتحدياً مهماً للتحليل السياسي، الذي شُغل خبراؤه ومراكزه المتخصصة بتقييم مدى التحول والنتائج التي ستترتب عليه إقليمياً ودولياً، عبر السنوات القادمة.

يرجع التحدي هنا -كما يشير الغمري- إلى اختلافات في التقييم بين من يتعاملون مع صعود الصين على إطلاقه بوصفه تحولاً تاريخياً حتمياً، وجزءاً من الدورات التاريخية للحضارات صعوداً وهبوطاً، وبين من يلتزمون بمنطق التوازن بين ما يرونه من مواطن القوة والقدرة لدى الصين، وما يعتبرونه علامات ضعف متوارثة لا تزال عالقة بالمسيرة الصينية، ومن بينها إشكالية الديمقراطية في الصين، وهناك أيضاً من تعاملوا مع هذه الإشكالية وغيرها من الممارسات التقليدية الداخلية، باعتبارها سدوداً قديمة في طريق تكتسحه قفزة اقتصادية أكبر منه وأشد هولاً، ومن شأنها بالضرورة أن تزيحها عن الطريق.

يوضح الغمري أن من أهم النتائج المتوقعة لانتقال مركز الجاذبية العالمية من الغرب إتاحة الفرصة لدول نامية للصعود بوصفها دولاً محورية مؤثرة في مناطقها الإقليمية، في حالة استيعابها محتوى التجربة الصينية، التي لحقت بها الهند إلى حد بعيد، وهو محتوى لا يقتصر على معنى إنجاز تقدم اقتصادي وتفوق، لكن مداه أشمل وأبعد مدى، لاعتماده على خطة بالغة الدقة والإحكام، تتحرك منذ أول لحظة لانطلاقها في مسارات متعددة ومتنوعة، وتتوجه كلها معاً نحو هدف محدد وواضح.

هذا ما جعل القوة الاقتصادية للصين من أكبر مراكز التصنيع الرئيسية في العالم، ومن أهم مراكز التمويل، ومستثمراً رئيسياً في أرجاء العالم من إفريقيا إلى أمريكا اللاتينية، ومصدراً أساسياً للأبحاث والتنمية؛ فالتوقعات الأمريكية لم تتصور أن تحقق الصين نهضتها الاقتصادية بهذه السرعة، فقد كانت تقديراتها ترى أن الطريق أمام الصين صعب وشاق، استناداً إلى تجارب ونظريات التقدم المعروفة في الغرب.

ظواهر

يؤكد الغمري أن هذا الصعود للصين ينطوي على أبعاد استراتيجية وحضارية تأسست له بالفعل قواعد عمل محسوبة، وبدأ يفرز ظواهر وملامح للتغيير المحتمل في العلاقات الدولية، وموازين القوى، وشكل النظام الدولي الجديد للقرن الحادي والعشرين، وقد انعكست آثاره على دول العالم، وخاصة في آسيا -المحيط الإقليمي للصين- وأوروبا الضلع الثاني في النظام العالمي الذي يسمى الغرب، وفي الضلع الأول وهو الولايات المتحدة التي بدأت تظهر فيها مقدمات التغيير، لتلاحق تطورات هذا التحول الجاري بالفعل في النظام العالمي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mwzjefhr

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"