تخطيط وضبط التكنولوجيا المعقدة

21:42 مساء
قراءة 3 دقائق

د. عبدالعظيم حنفي

كان الترابط بين تطورات التكنولوجيا المعاصرة وبين التعقيد النظمي لمصنوعاتها أحد موضوعات بعض الدراسات الاقتصادية. وهو الترابط الذي غالباً ما يبلغ غايته في المشروعات الضخمة التي تنطوي على استثمار مبالغ هائلة من رأس المال، وعلى فترات سبق ممتدة لتطوير التكنولوجيا، والذي يتم النأي به عن الإدراك الجماهيري (العام) له، بسبب شرائح بيروقراطية عديدة مصحوبة بنوع من «التمرس» الذي لا يمكن النفاذ إلى غوامضه. وترى تلك الدراسات أنه توجد، عموماً، أنواع ثلاثة من التفسيرات الفضفاضة لهذا التنامي في «جمود» أو «ثبات» الأنظمة المعقدة المعاصرة. وأول هذه التفسيرات يرد إلى تنامي تورط الحكومة ذاتها. الذي ينشأ جزئياً عن الطبيعة الجوهرية للبحث والتطوير المعاصرين، والتي تتصف بالكلفة والمخاطرة، والتي ترتبط بالاعتقاد بأن المنافسة العالمية تعتمد عليها، مما يدفع بالحكومة إلى العمل في هذا المجال. كما أن هذا التورط غالباً ما يعود جزئياً أيضاً إلى الاعتبارات الخاصة بالاستراتيجية العسكرية.

ويتمثل التفسير الثاني في مقولة علماء اقتصاد تفيد بأن أغلب التكنولوجيا الصناعية المعاصرة هي في جوهرها العميق نظمية وكبيرة الحجم، إلى حد أن المؤسسات الضخمة فقط هي التي يكون بمقدورها أن تحشد الموارد وأن «تتحصن» ضد مخاطر السوق والفشل الفني. وحتى حين تبدو شركات أصغر قادرة على الدخول في قطاعات محددة للتكنولوجيا العالية، فإن هذه الحالة عادة ما تعكس أحد أمرين. فهذه الشركات الصغيرة إما أن تكون مرتبطة، بشكل ما، مع مجمعات أكبر، وإما أن تكون السيطرة عليها قد تمت بعد أن بلغت، في إطار حياة مؤسسية مشتركة، مستوى معيناً من التطور.

وبهذه الطريقة فإن المشروعات الكبيرة صارت تهيمن حتى على القطاع الخاص، وهي التي تتشارك في هياكلها المؤسسية، وتتّصف بقوة هائلة تمكنها من التحكم في التمويل، ومن التأثير على الحكومات ذاتها. وتحاول هذه الشركات الضخمة، كلما كان هذا ممكناً، أن تسيطر على البيئتين التكنولوجية والاقتصادية، بطريقة تحافظ على استمرار نشاطها في مسارات حقيقية ومطروقة، وذلك رغم أن مقدرتها على أداء هذا الدور لا تكون على مستوى الكمال الذي تؤدي به الحكومات.

وهناك، أخيراً، التفسير الثالث الذي تعكسه مقولات کتاب ماركسيين جدد من أمثال باران وسويزي، والتي تذهب إلى أن هناك نزوعاً متأصلاً إلى قلة الاستهلاك في داخل الاقتصادات الرأسمالية المعاصرة، وهو المشكل الذي لا يمكن حله إلا بنشاط مباشر من جانب الدولة. ويرى باران وسویزی في كتابهما، الرأسمالية الاحتكارية، أن «اقتصاد التسليح الدائم» يكون بمنزلة الوسيلة لتحقيق فائض إنتاجي لا يتميز فقط بأنه يهدد الأوضاع الطبقية المستقرة (مثلما يمكن أن تفعل الاستثمارات الاجتماعية لصالح المجموعات المحرومة). يضاف إلى هذا أن سباق تسلح يتم تحت ظروف من السرية البالغة مع عدو ما، تتوفر له الميزة الإضافية المتمثلة في كونه مستخدماً شرهاً لموارد سرعان ما تتقادم ويلزم حينها استبدالها. وإذا ما تجمعت أكداس السلاح الهائلة وقامت الصناعات ذات الصلة، فإن قوة المصالح المستقرة تحافظ على سير الأمور في مسارات تم تحديدها.

وليس هناك شك في تواجد عناصر من التفسيرات الثلاثة جميعها (في كل وقت).

وعلى سبيل المثال فإن دراسات أمدتنا بملخص مثير للسمات الأساسية «للمجمع العسكري / الصناعي» الذائع الشهرة، والذي ينطوي على تركيز اقتصادي وجغرافي شديد، ويكون وثيق الالتحام بوزارات الدفاع في الحكومات، ويوفر تبريراً سياسياً علنياً لأنماط الأنفاق العام، ويكون. على اتصال وثيق مع «العلم الأكاديمي». وفي هذه العملية المتناقضة التي يتم في داخلها، آلياً، تعزیز التكنولوجيا وكبح جماحها، يكون الناتج معدات ضخمة، ومعقدة، ومكلفة للغاية.

* أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ms9ae8xr

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"