عادي

«مانديلا والجنرال».. قصة المناضل الإفريقي من منظور أعدائه

14:46 مساء
قراءة 3 دقائق

يحتفل العالم في 18 يوليو/ تموز من كل عام بذكرى الرئيس الأسبق لجنوب إفريقيا نيلسون مانديلا، حيث أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة تاريخ مولده يوماً عالمياً، اعترافاً بإسهاماته في الكفاح من أجل الحرية والمساواة بين البشر، وترويج ثقافة السلام في أنحاء العالم، ومثلت مسيرته نموذجاً ملهماً، سطرته العديد من الأعمال الفنية والأدبية، كان من أبرزها في مجال الروايات المصوّرة كتاب «مانديلا والجنرال»، لجون كارلين، وأوريول مالي، الذي صدر بنسخته العربية عام 2020 عن دار «كومكس»، التابعة لمجموعة كلمات، وبترجمة باتريك كامل.

يكتسب هذا الكتاب، والموجّه لمختلف الفئات العمرية، أهمية خاصة، نابعة من تجربة مؤلفه جون كارلين، الذي عمل مراسلاً لتغطية الأخبار في جنوب إفريقيا بين عامي 1989 - 1995، في فترة تاريخية أتيح له خلالها التعرف إلى تجربة مانديلا، منذ إطلاق سراحه من السجن حتى انتخابه كأول رئيس للبلاد بعد إلغاء نظام الفصل العنصري «الأبارتايد».

وعبر تعاون فني مع رسام الكرتون الإسباني أوريول مالي، جسّد كارلين في هذا العمل مسيرة الانتقال الصعبة، من دولة إفريقية تحكمها أقلية أوروبية بقبضة حديدية، إلى نظام ديمقراطي يحقق المساواة لجميع الأعراق، اعتماداً على المقابلات الصحفية، ليس مع نيلسون مانديلا وحده، وإنما مع شخصية أخرى لا تقل محورية في هذا الصراع، وهو الجنرال المتقاعد كونستان فيلجوين، الذي تدرج في المناصب العسكرية حتى توليه لقيادة قوات الردع الجنوب إفريقية إلى عام 1985.

وعلى عكس الكتب التي تناولت سيرة حياة مانديلا ونضاله، استندت الحبكة التي اختارها الكاتب على وجهة نظر أعدائه السابقين، عبر مقابلة أجراها جون كارلين مع الجنرال فيلجوين على شاطئ كيب تاون، اعتمدت على تقنية «الفلاش باك» لاستعادة سيرته العسكرية، وحتى اختياره لقيادة الميليشيات المناصرة للأبارتايد، وفي ما كانت حكومة البلاد تتعرض لضغوطات خارجية شديدة، كان فيلجوين تحت ضغط مشابه، وجد نفسه فيه أمام معضلة أخلاقية، انتهت بمرحلة تغيّر جذرية، ساهم فيها شقيقه التوأم برام فيلوجين، الذي وإن بدا نسخة مطابقة له، إلا أنه امتلك أفكاراً سياسية ووعياً إنسانياً أعمق، تجلّى في معاملته المختلفة للخدم من السكان الأصليين، ودفعت به في ذروة الأحداث لمفاجأة غير متوقعة، وهي عقد لقاء بين فلوجين ومانديلا، بعد إطلاق سراحه، وسعيه خلال مفاوضات صعبة لتغيير النظام من دون دفع البلاد إلى هاوية الحرب الأهلية.

وفي سرد بصري شيق لا يخلو من النفَس الوثائقي الصحفي، تتلخص فكرة الكتاب في الخوض إلى داخل عقل مانديلا وفلسفته، وهي أن يضع كل طرف من أطراف الصراع نفسه مكان عدوه، ومحاولة التفكير بعقليته لفهم أبعادها ومخاوفها، أو كما وقف مانديلا مخاطباً أتباعه بالقول: «في كل نزاع قائم عليك أن تعرف عدوك»، الأمر الذي وجد الجنرال نفسه أمامه، لإقناع أتباعه بأن الحرب لن تنتهي إلا بهزيمتهم، لأن العالم أجمع كان يقف وراء مانديلا.

في النهاية، اتخذت جنوب إفريقيا نموذجاً مغايراً للعديد من الدول التي مزقتها الحروب، وكما انتخب مانديلا أخيراً كرئيس للبلاد، ألقى فيلجوين ورجاله السلاح وقرروا خوض الانتخابات البرلمانية للتعبير عن مصالحهم بصورة سلمية، الأمر الذي ما كان له أن يحدث لولا اللجوء إلى الحكمة وقوة الكلمات للتأثير في الأعداء قبل الأتباع.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mr3rfsuz

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"