التكالب على القارة السمراء

00:10 صباحا
قراءة 3 دقائق

أحمد مصطفى

كشف الانقلاب العسكري في النيجر عن مدى الصراع الشمالي على دول الجنوب عموماً، وليس فقط تنافس الغرب على النفوذ في القارة الإفريقية. ذلك فضلاً عن أهمية دول الساحل والصحراء في السنوات الأخيرة، بعدما انتقلت الجماعات الإرهابية من بقايا «داعش» و«القاعدة» إلى تلك المنطقة، إثر جهود التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، في محاولة للقضاء عليها في العراق وسوريا وغيرهما من بلدان المنطقة.

قد يكون السبب المباشر للانقلاب على الرئيس المنتخب محمد بازوم من قبل قائد الحرس الجمهوري، هو أنه في يوم الانقلاب كان الرئيس سيعزل قائد حرسه. وربما علم الرئيس بمحاولة الانقلاب، فقرر العزل، ولم ينفذه، حيث استبقه قائد الحرس. ومع أن الإشارات الأولى كانت تفيد بان بقية الجيش ربما يظل موالياً للرئيس، وبالتالي ينتهي الانقلاب، إلا أن ما حدث بعد ذلك هو أن الرئيس لم يكن بعد أرسى سيطرته على القوة الرئيسية في البلاد في مدة حكمه القصيرة.

وبغض النظر عن تطورات الصراع على السلطة في البلد، كبير المساحة ضعيف الاقتصاد، فإن ما حدث ألقى الضوء على عدة أمور في غاية الأهمية، وكلها تعكس التكالب الغربي والشرقي، على تلك المنطقة وإفريقيا عموماً. وكأنما ينتقل صراع الشمال في أوكرانيا بين روسيا والغرب، إلى الجنوب متمثلاً في إفريقيا، واحتمال في بؤر أخرى.

بداية، شاهدنا حمية من تكتل المنطقة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) التي سارعت لإدانة الانقلاب، وتوعدت بالتدخل العسكري لإعادة الرئيس المنتخب إلى السلطة بالقوة. ومع أن مهلة الإنذار انقضت من دون تدخل، إلا أن رد فعل «إيكواس» كان غير مسبوق، على الأقل في ظاهره. فقد سبق على مدى العامين الماضيين أن شهدت مالي وبوركينا فاسو المجاورتين للنيجر انقلابات عسكرية استولت على السلطة، ورغم إدانة «إيكواس» لتلك الانقلابات، إلا أنها قبلت بتعهد قادة الانقلابات بإجراء انتخابات يجري تأجيلها منذ عام 2020 حتى الآن.

ومع تهديد «إيكواس»، أعلنت مالي وبوركينا فاسو أن أي تدخل خارجي في النيجر سيعد إعلان حرب، وأنها ستقف مع القادة العسكريين في النيجر ضد أي هجوم على البلد الجار. 

في المقابل، وحسب الإعلام الغربي، فإن قادة الانقلاب في النيجر معارضون لسياسة الرئيس المنتخب الموالية تماماً للغرب. فقد سبق للرئيس أن استضاف قوات فرنسية موجودة في المنطقة لمكافحة الجماعات الإرهابية، بعدما طرد قادة الانقلاب في مالي قوات فرنسا من بلادهم. بل إن البعض يذهب إلى وجود دور روسي في تلك الانقلابات، وإن قادة الدول الثلاث الجدد ربما يعتمدون على قوات شركة فاغنر الروسية في مكافحة الإرهاب وحماية المناجم في بلادهم.

ومعروف أيضاً أن النيجر، وإن كانت لم تصبح بعد مركزاً للجماعات الإرهابية، كما في مالي مثلاً، إلا أنها تتعرض لهجمات منها عبر الحدود. ورغم غنى مالي وبوركينا فاسو بمناجم الذهب، ربما أكثر من احتياطيات النيجر من المعدن الثمين، فإن النيجر لديها احتياطيات كبيرة من خام اليورانيوم. ولنا أن نتخيل خطورة وصول الجماعات الإرهابية إلى مناجم اليورانيوم في النيجر، إذ سيعني ارتفاعاً هائلاً في خطر «القنابل القذرة» التي تهدد البشرية في أماكن عدة.

ليس مستبعداً أيضاً، أنه لا أمريكا والغرب ولا روسيا أو غيرها أكثر حرصاً على منع الإرهاب من الوصول إلى خام اليورانيوم الذي تزيد أهميته، ليس فقط لصناعة السلاح النووي، وإنما أيضاً للاستخدام في توليد الطاقة النظيفة المتجددة من محطات تعمل بالمفاعلات النووية. صحيح أن التكالب على إفريقيا من قبل دول الاستعمار السابق مثل فرنسا، والاستغلال الجديد مثل الولايات المتحدة والنفوذ الصاعد من الصين وروسيا ليس وليد اليوم، إنما الآن وفي ظل زيادة حدة الصراع بين الشرق والغرب يكتسب هذا التكالب حرارة إضافية.

لا تقتصر تبعات الأمر على تكالب الخارج على إفريقيا، إنما يؤدي أيضاً إلى تطورات داخلية في إفريقيا ذاتها تضعف من قوة الدول الرئيسية فيها وقدرتها على حل مشكلات المنطقة. على سبيل المثال، رغم موقف نيجيريا المتشدد ضد الانقلاب، فإن انقساماتها الداخلية ومعاناتها ومشاكلها الأمنية أضعفت قدرتها على فعل شيء. أما الجزائر، التي لها حدود مع النيجر، فكانت رافضة تماماً لأي تدخل في البلد الجار.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/57xt2s9v

عن الكاتب

يشتغل في الإعلام منذ ثلاثة عقود، وعمل في الصحافة المطبوعة والإذاعة والتلفزيون والصحافة الرقمية في عدد من المؤسسات الإعلامية منها البي بي سي وتلفزيون دبي وسكاي نيوز وصحيفة الخيلج. وساهم بانتظام بمقالات وتحليلات للعديد من المنشورات باللغتين العربية والإنجليزية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"