التمدن الإيكولوجي في تصميم المدن الإماراتية

21:47 مساء
قراءة 3 دقائق

ستيفن فيليجرينيس *

شهدت دولة الإمارات زيادة في مشاريع المدن السكنية والأعمال التي وضعت الاستدامة في صدارة اهتماماتها وعلى رأسها مدينة «مصدر» ومدينة «إكسبو دبي» ومشاريع المدينة المستدامة في دبي والشارقة، والتي تعدّ أبرز الأمثلة على كيفية البناء، وهنا يكمن دور مصطلح التمدن الإيكولوجي؛ لما له من تأثير مهم في هذا الصدد. ويحدد هذا المصطلح، الذي صدر لأول مرة عام 2010 عن كلية هارفارد للدراسات العليا للتصميم، ضرورة إحداث نقلة نوعية في كيفية تصميم المدن وبنائها، ويقوم المفهوم بشكل رئيسي، على فكرة أن المدن ينبغي أن تُصمم، ضمن حدود وإمكانات الموارد الطبيعية الحالية. ويتمثل الهدف من هذا التمدن، في إنشاء مدن تقوم في جوهرها على «منظومة بيئة اصطناعية» تحقق نفس الكفاءات المترابطة والدورات المتكررة للحفاظ على الحياة، التي تحققها النظم البيئية الطبيعية. أضف إلى أن هذه المدينة البيئية المصممة بشكل صحيح، ستكون قادرة على تحويل النمط الخطي الحالي المتمثل في وجود الطاقة في طرف والنفايات في الطرف الآخر إلى آخرَ حلقي، حيث يُعاد توجيه النفايات المتولدة، وإعادة استخدامها بمجموعة من الطرق المفيدة. ولطالما طغت على أذهاننا فكرة أن المدن ما هي إلا آلات تعمل بكفاءة عالية، ولكن الحقيقة هي أن المدن تشبه إلى حد كبير عملية التمثيل الغذائي أو المنظومة البيئية، وعندما ننظر إلى المدن من هذا المنظور، علينا عندئذٍ التفكير في التدفقات والنظم، وكيفية تكييفها مع محيطها. وينشأ عن التفكير الإيكولوجي نموذج ناجح من عدة طرق، فهو يسمح بالتفكير بالأساليب التي يمكننا من خلالها أن نتصدى لقضية التغير المناخي، ولعل خير مثال على هذا هو كيف اعتدنا على التفكير في المياه والصرف الصحي، وكيفية استخدامنا لهذين الموردين، فقبل ظهور المدن، كانت مياه الصرف الصحي، تمثل مورداً طبيعياً؛ إذ إنها لم تتحول إلى مياه صرف صحي، إلا عندما طالتها يد الإنسان بالهدر والضياع.

ولكن ما نفعله الآن، هو أننا نربط منازلنا وشققنا ومكاتبنا ومبانينا بالأنابيب، ونبني كيلومترات من خطوط الأنابيب الموصلة إلى المواقع التي تعالج مياه الصرف الصحي. ومن ثمّ نبني خطوط الأنابيب التي تعود إلى نفس الأماكن، وتزودنا بالمياه المُعالجة لأغراض الري مثلاً. والحق أن هذا النموذج تتخلله أوجه قصور حقيقية وهائلة، ليس فقط في التكاليف التي ينطوي عليها بناء تلك الشبكات، ولكن أيضاً في آثاره البيئية. وهناك شيء واحد بسيط يمكننا القيام به، ألا وهو معالجة هذه المياه في الموقع الذي تولدت فيه؛ إذ إن ذلك يحل العديد من المشكلات، مثل التكلفة الإجمالية للبنية التحتية. ويمكن تطبيق طريقة للمعالجة في الموقع في المساحات المفتوحة باستخدام النباتات القصبية، والتي تعدّ جزءاً أصيلًا لا يتجزأ من هذه البيئة الطبيعية. وبالإضافة إلى كونها طريقة فعالة ومنخفضة الطاقة وواعية بيئياً لمعالجة هذه المياه، فإنها أيضاً قدّمت العديد من الفوائد من قبيل خفض التكلفة، فضلًا عن إمدادات لا تنضب من مياه الري شبه المجانية. أضف إلى هذا أن النباتات القصبية وفرت كيلومترات من المساحات الخضراء، التي تساعد على تبريد البيئة وترطيبها. وقد رأيت بعيني بعض مشاريع الإسكان الجديدة في الإمارات، التي تستخدم مثل هذه الأنواع من النظم القائمة على الطبيعة لمعالجة مياه الصرف الصحي، ومع ذلك لا يزال أمامنا الكثير مما يمكننا القيام به في كل من المدن الحالية والجديدة، حتى نتدارك أوجه القصور التي نخلقها. لقد أصبح من الضروري أن نتبنى هذه الأساليب، وأن نستغل الفرص المتاحة للبرهنة على أن التمدن الإيكولوجي، يمكن أن ينجح، حتى في البيئات القاسية والصعبة. وبعد أن شاركت بفاعلية في وضع المخطط الرئيسي ل «إكسبو 2020 دبي»، فقد كنتُ شاهداً على تقارب حقيقي للمفاهيم العصرية في مجال هذا التمدن، وذلك بفضل الأدوات وقواعد البيانات الجديدة المستخدمة. ومن خلال تسخير قوة التقنيات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية، أصبحنا نمتلك الوسائل لإطلاق إمكانات التمدن الإيكولوجي إلى آفاق واسعة، للتصدي للتحديات الناشئة عن توسع المدن الذي لا يعرف الهوادة.

* مدير التصميم في «جينسلر»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/27uu5hn5

عن الكاتب

مدير التصميم في «جينسلر»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"