عادي
تنازعته رؤى ماركسية وأخرى ليبرالية

أربع أزمات تواجه علم الاجتماع

23:10 مساء
قراءة 3 دقائق

القاهرة: «الخليج»

وقعت تحولات فكرية شاملة على ساحة النظام العالمي المعاصر، تزامن وقوعها مع نهاية قرن وبداية قرن جديد، حيث شكلت النهاية والبداية جوهر الومضة التاريخية التي يتحول عندها التراكم الكمي إلى واقع كيفي جديد، بحيث فرضت هذه التحولات ذاتها واقعاً متجسداً عشنا أحداثه وتفاعلاته التي أصبحت مؤشراً لنهاية تاريخ وبداية تاريخ جديد. وإذا كان القرن السابق قد قدم تأملاً لطبيعة الأزمات، التي فرض على علم الاجتماع أن يواجهها، فإن التأمل الذي نحتاج إليه في القرن الجديد، ينبغي أن يهتم بالبحث عن سبل الخروج من الأزمة، أو الأزمات، التي مر بها التنظير الاجتماعي، وذلك لتقديم حلول تساعد على استمرار خصوبة وفعالية هذا التنظير وكفاءته وقدرته على فهم واقعه العالمي الجديد كذلك.

يقف بنا عالم الاجتماع الأمريكي ألفن جولدنر (29 يوليو 1920 – 15 ديسمبر 1980) باعتباره عالم اجتماع راديكالياً على جملة من القضايا في مؤلفه «الأزمة القادمة لعلم الاجتماع الغربي» (ترجمه إلى العربية علي ليلة) إلى طبيعة الأزمات التي واجهها التنظير الاجتماعي، خلال العقود الأربعة، قبل نهاية القرن العشرين، مؤكداً أننا سوف نجد أن الأزمة الأولى، تتمثل في انتهاء الانقسام الذي بدأ مع نهاية الحرب العالمية الأولى، واكتمل وعيه بذاته مع نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث انقسم علم الاجتماع على ذاته إلى علمين: علم اجتماع يوجهه التنظير الماركسي، في مقابل علم اجتماع يوجه التنظير المحافظ أو الليبرالي.

طاقة متفجرة

كان علم الاجتماع المنقسم على ذاته أكثر ارتباطاً بالأيديولوجيا حيث شكلت الأيديولوجيا الطاقة التي تفجر إبداعاته، وفي فترة الحرب الباردة التي امتدت منذ منتصف الأربعينات حتى السبعينات، كان علم الاجتماع يؤدي دوره في الحفاظ على واقعه، وكذلك تبرير التفاعلات التي تجري في إطاره، ولم ينس إبراز نقائص وأخطاء الواقع، وقد شكل التنظير خط الدفاع الأول في الصراع بين علم الاجتماع الاشتراكي وعلم الاجتماع الرأسمالي.

يتمثل البعد الثاني للأزمة في أن علم الاجتماع قد درج منذ نشأته على دراسة الآخرين، وفق معايير الموضوعية والحيادية، وهي المنهجية التي نقلت عن العلوم الطبيعية في الفترة التي عاصرت نشأته، وهو النقل المنهجي الذي أوقع علم الاجتماع في خطأ قاتل، لا يزال يعانيه حتى الآن، وهو الخطأ الذي يتمثل في اختلاف مادة علم الاجتماع والعلوم الإنسانية جميعاً عن المادة التي تتناولها العلوم الطبيعية.

ويرى أن المادة الطبيعية متجانسة داخلها مثل خارجها، ومن ثم فإدراكها من الداخل، أي أن إدراك جزء أو جانب منها يعني إدراكها في كليتها، بينما الأمر مختلف بالنسبة للإنسان، الذي يشكل تفاعله مع الآخرين المادة التي يحاول علم الاجتماع تأملها وفهمها، حيث داخلها يختلف عن خارجها، فقد يأتي البشر سلوكيات كثيرة، طاعة للمجتمع، وخضوعاً لقهره، مع أنهم من الداخل رافضين لها.

ويرتبط البعد الثالث لأزمة علم الاجتماع بتسارع التحولات المتتابعة، التي خضع لها التنظير الاجتماعي، وتحققها في اتجاهات متنوعة، الأمر الذي حرمه من تحقيق التراكم المتتابع، الذي يمتلك خصوبة وعمقاً، كان من الممكن أن يشكل قاعدة للإبداع، ومن ثم فقد بقي التنظير الاجتماعي كصغير الدجاج، الذي يتحرك كثيراً، وربما طوال الوقت، إلا أنه لا يحقق إنجازاً، أو يقطع شوطاً في اتجاه واحد.

يتصل البعد الرابع لأزمة علم الاجتماع بالفجوة بين البنية التصورية للنظرية، وبين الحالة التي عليها تفاعل العناصر الواقعية في علم الاجتماع، ويتضح ذلك من أننا إذا تأملنا البنية التصورية لعلم الاجتماع، فسوف نجد أن هذه البنية تستند إلى النسقية الثابتة بالأساس، بغض النظر عن مستوى التعامل مع هذه النسقية، سواء على المستوى الشامل أو الجزئي.

هناك أزمات أخرى يعرضها الكتاب، لكن ألفن جولدنر حاول أن يلمس جملة من القضايا، وقد نجح في ذلك بامتياز، فقد سجل تأملاته في هذا الصدد خلال عقد السبعينات، غير أن ملامح الأزمة التي بدأت في النصف الثاني من القرن العشرين، وسجل جولدنر طبيعتها في السبعينات، استمرت تفرخ أزمات متوالية بصورة مستمرة، حتى انتهت الألفية الثانية، وقد اتسع نطاق الأزمات وساحتها، حتى ملأت فضاء العلم، وحينما حلت الألفية الثالثة طرق علم الاجتماع أبوابها، وهو يحمل أزماته على كاهله.

أجراس
كان «جولدنر» على حق حينما دق الأجراس بقوة، راجياً أن يستعيد علماء الاجتماع وعيهم، ليتأملوا بهذا الوعي واقعهم، ومواقفهم، وأدوارهم في قلب هذا الموقف، ولينتقلوا بهذا التأمل لأعماله في مواجهة أزمات علمهم، حتى يستعيد عافيته، ليكون قادراً على تأمل وفهم ما يقع من أحداث وتفاعلات على ساحة النظام العالمي المعاصر بأصعدته العديدة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2sdtm999

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"