توجس عالمي من لوثة أوروبا المناخية

21:36 مساء
قراءة 4 دقائق

د. محمد الصياد *
خطة حجب أو عكس أشعة الشمس تنطوي على مخاطر جديدة للناس وللنظم البيئية، وتتسبب في زيادة اختلال توازن القوى بين الدول، وإثارة الصراعات.

في انعطاف حاد في الموقف، قرر الاتحاد الأوروبي النظر في إمكانية التدخل تكنولوجياً على نطاق واسع لعكس أشعة الشمس؛ بهدف، كما ذكر التقرير الذي أُعد خصيصاً لذلك، كبح التغيرات المناخية. وهو ما أوقع الاتحاد الأوروبي في مطب مشحون بالجدل الناقد لعواقب ومخاطر الإقدام على إعادة هندسة المناخ بالتدخل في حجم الطاقة التي تزود بها الشمس الكوكب الأرضي.

كان من المقرر أن يعلن الاتحاد الأوروبي يوم الأربعاء 28 يونيو/ حزيران 2023، بحسب «Bloomberg News»، عن إطار عمل؛ لتقييم التداعيات الطبيعية والأمنية، والمخاطر الأخرى المحتملة للتدخل في تغير المناخ، عبر إعادة هندسة الغلاف الجوي نفسه؛ مثل احتمال أن تؤدي ندرة المياه أو الغذاء، نتيجة لهذا التدخل، إلى إثارة الحروب وموجات الهجرة. على اعتبار أن «هذه التقنية» (حجب أو عكس أشعة الشمس)، تنطوي على مخاطر جديدة للناس وللنظم البيئية، وتتسبب في زيادة اختلال توازن القوى بين الدول، وإثارة الصراعات، وتضم عدداً لا يحصى من القضايا الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية والقانونية والسياسية. حتى وكالة «بلومبيرغ» التي ذكرت أنها اطلعت على وثيقة الاتحاد الأوروبي بهذا الخصوص، أثارت شكوكاً وتساؤلات حول ما إذا كانت الهندسة الجيولوجية المناخية، علماً رصيناً أم مجرد بدعة إلهاء خيالية، تحفها تداعيات خطرة محتملة على الكوكب والغلاف الجوي. وفيما خص الإلهاء تحديداً، فإن الاتحاد الأوروبي يعتزم طرح هذا الموضوع على جدول أعمال مفاوضات المناخ، بغية استشفاف آراء الدول والفرق التفاوضية، ودفع الأطراف الأخرى للموافقة على مبدأ دراسة الموضوع والمشاركة (الفنية والتمويلية طبعاً) في جهد جماعي، لإجراء تقييم شامل للمخاطر والشكوك المتعلقة بمثل هذا التدخل الفظ في الطبيعة المناخية، بما في ذلك، على وجه خاص، حقن الهباء الجوي «الستراتوسفير»، لزيادة تركيز الجزيئات في الغلاف الجوي، لتقليل كمية ضوء الشمس التي تصل إلى سطح الأرض. والحجة أن الدول لن تتمكن من مقابلة هدف سقف ال 1.5 درجة مئوية الذي نصت عليه المادة الثانية لاتفاق باريس للمناخ (الإبقاء على ارتفاع متوسط درجة الحرارة العالمية عند حد لا يتجاوز 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الحقبة الصناعية).

وفي حين استهجن البعض هذا التوجه الأوروبي المناخي الجديد، انتقده آخرون، واتهموا الاتحاد الأوروبي بأنه يرمي، في أحسن الأحوال، إلى صرف الانتباه عن معالجة السبب الرئيسي لظاهرة الاحتباس الحراري، والمتمثل في الانبعاثات المتزايدة، ناهيك عمّا سيفضي إليه هذا التدخل الهائل في كينونة الطبيعة ومناخها، إن طُبق، من آثار جانبية غير متوقعة، أقلها تغيير أنماط نزول الأمطار التي تمثل مصدراً رئيسيا للزراعة المطرية وتخزين المياه. حتى أن بعض العلماء وجهوا دعوة إلى إبرام اتفاقية دولية، تحرم اللجوء إلى مثل هذه الحلول المتطرفة والخطرة.

مؤسسة «المنتدى الاقتصادي العالمي»؛ (WEF) التي يملكها ويديرها الألماني كلاوس شواب (Klaus Schwab)، لديها ما تسمى «مجموعة رواد التكنولوجيا»؛ (Cohort of Technology Pioneers)، وهي فرق طلابية تنشئها المؤسسة سنوياً (منذ 2007)، وتختار أفرادها من مختلف أنحاء العالم، ليكونوا قادة المجتمع في مجالات السياسة والاقتصاد والثقافة، وتُسند اليهم مهام محددة تتعلق بالقضايا المُلحة التي تواجه كوكب الأرض، والتي يشتغلون عليها كفريق عمل واحد، بدعم من 100 شركة تختارها المؤسسة سنوياً، للعمل مع هذه الفرق. الفريق الذي اختير هذا العام، أسندت إليه مهمة الانتقال إلى صافي صفر انبعاثات، بما يشمل ذلك ليس فقط إجراء إصلاح شامل للطرقات المرصوفة وطريقة استخدامها واستهلاكها، وإنما أيضاً إحداث تحويل جوهري في جميع الصناعات الرئيسية، وصولاً إلى نمط حياة الفرد؛ بحيث يتم، بواسطة الاستخدام الواسع للتقنيات، تغيير كامل لقواعد اللعبة، كما يقولون، ومن ذلك إحلال البروتينات البديلة. وقد تستخدم مؤسسة المنتدى الاقتصادي العالمي، تقنية الذكاء الاصطناعي (AI) لإخطار الجمهور بالبصمة الكربونية للسلع التي يشترونها. وقد تقترح نظام شهادات الكربون (Carbon Credit Certificate-CCS) للأفراد، على غرار ما هو معمول به حالياً بالنسبة للشركات.

القرب من أجواء مفاوضات المناخ لعدة سنوات، منذ أن أصبح موضوع تغير المناخ بعد قمة ريو دي جانيرو في عام 1992، وتوقيع اتفاقية المناخ الإطارية (UNFCCC)، على رأس اهتمامات البلدان الغربية، قبل أن يتحول، تحت الإصرار الضاغط، إلى قضية عالمية؛ واستمرار التدافع الجدلي بشأنها - يحيل، مع الوقت، إلى سؤال محوري: لماذا كل هذا الحماس من جانب مفوضية الاتحاد الأوروبي في بروكسل، لموضوع المناخ، حتى ليبدو ساستها البيرقراطيون، لا سيما مفوضيها المعنيين بقضايا المناخ، وكأنما تلبستهم لوثة مناخية لا يستطيعون (أو لا يرومون) الفكاك منها؟..بل على العكس، يحاولون بإصرار ومثابرة، نقل أثرها إلى فرق التفاوض المناخية الأخرى؟ سؤال يستأهل الإضاءة عليه، لأنه يتعلق بجانب مهم من عملية التفاوض، الجانب الإداري الفني والتكتيكي، لتشكيل أجندات وجداول أعمال اجتماعات المناخ بكافة مستوياتها، بما يترتب عليها من التزامات لا طاقة لمعظم البلدان على تحملها.

* خبير بحريني في العلاقات الاقتصادية الدولية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3j5jmp29

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"