عادي
تحتضن البحر وتسند ظهرها إلى الجبل..

درنة لؤلؤة ليبية حولها الفيضان إلى أطلال.. تعرف إليها

13:17 مساء
قراءة 5 دقائق
درنة لؤلؤة ليبية حولها الفيضان إلى أطلال.. تعرف إليها

«الخليج» - متابعات

ستبقى أطلال درنة مبكى لآلاف الليبيين الذين يستذكرون من رائحتها وآثار الفيضان في جدرانها ضحاياهم، وستبقى بقايا مدينتهم التي أسرت قلوبهم على مر الزمان شاهداً على واحدة من أسوأ الكوارث الطبيعية في تاريخ المدينة والتي حصدت آلاف الأرواح.

وأصبحت درنة المعروفة بلؤلؤة ليبيا وعروس بلدانها، مدينة منكوبة، بعد مرور العاصفة «دانيال» التي تسببت في انهيار سدين، وهلاك آلاف الأشخاص، وعدد كبير من المفقودين، «قد يتجاوز عشرة آلاف» وفق مسؤولين محليين.

ورغم تعرض العديد من المناطق في الشرق الليبي لخسائر كبيرة جراء «دانيال»، إلا أن درنة كانت الأكثر تضرراً، حيث مثلت المدينة الساحلية، الفاجعة الأكبر في البلاد، وتشير أحدث الأرقام الرسمية إلى مصرع أكثر من 5300 شخص في المدينة، وسط توقعات بارتفاع الحصيلة.

  • درنة أكبر الخاسرين.. لماذا؟

ويرجع السبب وراء تصدر درنة قائمة المدن المتضررة إلى موقع المدينة في شمال شرقي ليبيا، حيث تحتضن إطلالتها الفاتنة في الشمال البحر المتوسط، وظهرها في الجنوب مستند إلى سلسلة من تلال الجبل الأخضر، ما يجعلها منطقة منحدرة، ويشقها مجرى واد من قمة الجبل إلى البحر يعرف «بوادي درنة».

وتحيط التلال بالمدينة، ويمر فيها مجرى نهر يجفّ عادة خلال الصيف، ولكن عندما ضربت العاصفة المدينة، تجمعت الأمطار الغزيرة في الوادي، الذي يبلغ طوله 60 كيلومتراً، ومساحته 575 كيلومتراً مربعاً، وتحوّل إلى تيار قوي من المياه الموحلة، حيث تجاوزت كمية الأمطار، خلال ساعات، المعدلات التي تسجّل خلال عام، وفق المركز الليبي للأرصاد الجوية.

وشكّل ذلك ضغطاً على السدين، فانهارا ليجرف الطوفان الأحياء الواقعة بين الوادي والبحر. والسدان أحدهما أقصى جنوبي المدينة، يعرف باسم السد الكبير، والآخر بالقرب من مداخل المدينة الجنوبية ويعرف بسد درنة.

وبسبب انهيار السدين في الوادي الذي يعد المكان الوحيد الذي تجتمع فيه المياه المنحدرة من كافة وديان الجبل الأخضر الليبي بشرق البلاد، بالإضافة إلى وقوع نصف درنة تحت مجرى الوادي، كان حجم الأضرار المادية والبشرية في المدينة مرتفعاً.

ونتيجة للفيضانات المتكررة التي عرفتها المدينة، أوصت دراسات ترجع لفترة الستينات من القرن الماضي بضرورة بناء سدود «من أجل حماية المدينة»، وفق موقع صحف محلية ليبية.

الغرض من تلك الجسور، وفق ذات الصحف كان «حجز الكميات الهائلة من المياه التي تجري بالوادي في أوقات الفيضانات حتى ينتهي بها الأمر بالبحر».

  • درنة معشوقة الليبيين

ولطالما أسرت مدينة درنة الساحلية الجميلة قلوب الليبيين بطبيعتها الساحرة وتضاريسها المميزة وإطلالتها الفاتنة على ضفاف البحر المتوسط، مسندة ظهرها إلى الجبل الأخضر الذي يروي مزارع الرمان والتفاح والخوخ والعنب الشهيرة بشلال صغير وينابيع متدفقة من باطنه.

وهي المدينة التي سكنت قلوب الليبيين منذ تأسيسها، ليس فقط شغفاً بطبيعتها الساحرة، بل تضاف إليها خصائصها الثقافية الفريدة التي جعلتها رغم صغر حجمها وقلة تعدادها السكاني مركزاً حضارياً بارزاً في البلاد على اختلاف العصور وامتداد الزمن.

حيث شكلت درنة منذ القدم منارة حضارية بارزة، حتى إن سكان المناطق المحيطة بها اعتادوا على تسمية أهل درنة بـ«الحضور» أي أهل الحضر، وفيها تأسس المسرح الليبي الحديث في عشرينات القرن الماضي، وولدت أسماء بارزة في كل مجالات الفنون والعلوم والثقافة والسياسة.

الطابع الثقافي المميز للمدينة الساحلية

لعبت التوليفة الديموغرافية المتنوعة للسكان الذين ترجع أصولهم إلى شرق البلاد وغربها وجنوبها دوراً كبيراً في تشكيله، حيث انفردت عن كل مدن ليبيا بأن جانباً كبيراً من سكانها ينحدرون من أصول أندلسية، بعد أن وفد أجدادهم إلى المدينة منذ القرن الـ14 الميلادي، ولعبوا دوراً كبيراً في نموها وتطورها خلال القرون اللاحقة.

  • مدينة الصحابة

من بين المزايا الأخرى التي عززت مكانة مدينة درنة عند الليبيين، ربما أكثر من غيرها، بعدها الديني والروحي، حيث دفن فيها عدد من صحابة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام،، ومن أشهرهم رويفع بن ثابت الأنصاري أثناء الفتح الإسلامي لليبيا في القرن الثالث للهجرة، وهو ما منحها أشهر أسمائها وهو «مدينة الصحابة».

على مقربة من مكان دفن هؤلاء الصحابة الكرام بني أقدم وأشهر مساجد المدينة والبلاد وهو «مسجد الصحابة» الذي تضرر كثيراً جراء السيول أيضاً، وجرفت أجزاء واسعة من سوره الخارجي وفنائه الداخلي.

  • تأسيس درنة

ويجمع المؤرخون الليبيون والعرب على أن درنة تأسست في الجزء الشرقي من إقليم برقة، على بعد 350 كيلومتراً شرق بنغازي، وعلى جزء من مدينة «دارنس» اليونانية المندثرة، التي كانت عاصمة لولاية ليبيا الشرقية قديماً.

وهناك شبه إجماع في المصادر التاريخية على أن من أسسها هم الأندلسيون الذين نزحوا إليها عام 1493، عندما استقرت بعض العائلات الأندلسية فيها، وأخذوا يشتغلون بالتجارة وتفوقوا فيها على كل سكان برقة، وأسسوا فيها مرسى بحرياً صغيراً في جهتها الشرقية، وهو الذي أصبح ميناءً حيوياً في ليبيا بعد ذلك.

ويري المؤرخون أن وفود الأندلسيين إلى درنة منح سكانها ميزة أخرى جديدة:«مع اشتغالهم بالتجارة نقلت الأسر الأندلسية الوافدة إلى درنة خبراتها الزراعية، ونجحت في استثمار مساحات كبيرة من الأرض الصالحة للزرع وغرس الأشجار وفي جلب المياه من العيون القريبة منها، مما أعطاها ميزة ما زالت تشتهر بها إلى يومنا هذا وهي الزراعة، بينما كان اهتمام سكان القرى المجاورة لها متركزاً في الرعي حتى يومنا هذا".

  • تحذيرات الأبحاث

ولم تباغت كارثة الفيضان الناجم عن دانيال الليبيين أو المنطقة عموماً، حيث نشرت أبحاث علمية، العام الماضي، إلى أن درنة معرّضة لخطر السيول المتكررة، عبر الوديان الجافة.

ودعا وقتها الباحثون إلى اتخاذ خطوات فورية لضمان الصيانة المنتظمة للسدود في المنطقة، محذرين من مغبة وقوع سيول عارمة، ستكون كارثية على السكان في الوادي والمدينة.

لكن الأوضاع الأمنية التي تعيشها البلاد وانتشار تنظيمات إرهابية في درنة، وحالة الانقسام السياسي، منذ أكثر من عقد، تحكمت بالأولويات فوقعت الكارثة.

خصوصاً أن تلك السدود لعبت دوراً محورياً في تقليل الخسائر خلال عدة فيضانات عرفتها المدينة، أبرزها فيضان 1941، وفيضان 1956، وفيضان سنة 1959، وفيضان 1968، وفيضان سنة 1986.

وبعكس الفيضانات السابقة، دمر الفيضان الأخير سدين بالكامل وهو ما تسبب في وقوع كارثة حقيقية بالمدينة.

  • أكبر الفيضانات

أما أضخم الفيضانات التي عرفتها درنة منذ بداية القرن الماضي، فكان فيضان 1941 الذي تسبب في خسائر كبيرة للجيش الألماني المرابط على أطراف المدينة أثناء المعارك مع الجيش البريطاني في الحرب العالمية الثانية، وفيضان عام 1956، والفيضان الكارثي عام 1959، وفيضان 1968، وفيضان 1986 الذي رغم شدته فإن السدود لعبت دوراً مهماً في منع حدوث أضرار بالمدينة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3rppchmp

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"