مخطوطات لم ترَ النور

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

باتت شائعة الحيلة الروائية التي صادفناها وسنصادفها في بعض الروايات، التي تنطلق من العثور على مخطوطة، إما أن تكون مجهولة الكاتب، وإما تنسب إلى شخصية بعينها، كان لها في التاريخ مقام ومكانة، ليقول كاتب الرواية ما يريد قوله، بعد أن يضع نفسه في موقع قارئ تلك المخطوطة، حيث لا يفعل أكثر من أن يقرأها علينا، وهو ما نكاد نصدقه، لولا معرفتنا أنه لم تكن هناك من مخطوطة، ولا هم يحزنون، وأن ما يوهمنا الكاتب بأنه يقرأه لنا، ليس سوى نص من تأليفه، لكنه أراد أن ينسبه إلى سواه، في نوع من التقنية الكتابية أو «الخدعة»، ولا ضير في ذلك، بالطبع، إذا كان ما يفعله الكاتب مقنعاً.
إذا كانت المخطوطات التي «يجترحها» بعض كتّاب الرواية متخيلة، فإن هناك مخطوطات حقيقية لم تر النور لأسباب مختلفة، وما أكثر الكتّاب، أو حتى من يوصفون بالشخصيات العامة، الذين تَبَوَّأوا مواقع مهمة في حياتهم، أو كان لهم تأثير يعتد به في مجال من المجالات، يلجأون إلى كتابة مذكراتهم، ويتركونها كمخطوطات، وقد يوصون ورثتهم بنشرها بعد وفاتهم، لاحتوائها على معلومات وتفاصيل وأسرار، لا يريدون أن يسبب الكشف عنها عن حرج، وربما مساءلة، لهم، ويفضلون أن تنشر حين يصبحون في ذمة الله، مدفوعين بالرغبة في أن يطلع عليها من لا يزالون على قيد الحياة من جيلهم أو من الأجيال القادمة.
بالمقابل هناك مخطوطات تعود إلى أزمنة غابرة، مركونة في زوايا أو صناديق أو على رفوف، لم تطلها الأيدي من قبل، وإن طالتها، فإن أصحاب هذه الأيدي يجهلون قيمة هذه المخطوطات، فأهملوا أمرها، حتى يكتشفها بحّاثة شغوفون بتاريخ المعارف، وفي التنقيب في المجهول منها والمنسي، ليضعوها بين أيادي القراء، متحملين عناء تحقيقها وتدقيقها، وما أكثر ما تتلف مخطوطات، وتختفي قبل أن ينقذها أحد.
في عهدة الكثير من الكتّاب مخطوطات، أو فلنقل مسودات كتب، وضعوها، قد تكون أدبية، شعراً أو سرداً أو نقداً، وقد تكون فكرية، لكنهم، ولسبب أو آخر، لم يتمكنوا من إنجازها، لتبلغ الصورة التي يرونها فيها جديرة بالنشر، وثمة تفاوت في موقف هؤلاء الكتّاب من هذه المخطوطات أو المسودات، فقد يكون أصحابها قد ركنوها جانباً على أمل العودة إليها لاحقاً لإكمالها، وقد يكونون اعتبروها أعمالاً غير ناضجة أو مقنعة، واتخذوا قرارهم بتجاهلها، وهنا يصحّ السؤال عن مدى مشروعية نشر مخطوطة لكاتبٍ، بعد وفاته، لم يكن هو نفسه مقتنعاً بها، حين تبدو هذه المخطوطات ضعيفة، مقارنة بما نشره صاحبها وهو على قيد الحياة.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2yh8ynka

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"