سياق زيارة كيم

00:24 صباحا
قراءة دقيقتين

مفتاح شعيب

اختتم زعيم كوريا الشمالية كيم جون أون زيارة إلى روسيا، وضعتها الاستخبارات الأمريكية تحت مجهرها حتى قبل أن يتم الإعلان عنها. ووسط تكتم شديد، لم يصدر عن الزيارة غير عناوين عامة عن تعزيز العلاقات بين بيونغ يانغ وموسكو، سواء عند لقاء كيم بالرئيس فلاديمير بوتين، أو اجتماعه بوزير الدفاع سيرغي شويغو، واستعراضه أحدث ما أنتجته الترسانة الحربية الروسية من أسلحة حديثة، من دون الإعلان عن أي اتفاق بين البلدين.

من الناحية العملية، لن تغير هذه الزيارة شيئاً في مسار العلاقات بين كوريا الشمالية وروسيا، وقبلها الاتحاد السوفييتي، فهي متطورة ومتقاربة منذ حرب تقسيم شبه الجزيرة الكورية قبل أكثر منذ 70 عاماً. كما أن القوة العسكرية التي تتباهى بها بيونغ يانغ، هي في الأصل صنيعة روسية أولاً والصين ثانياً، لكن من الناحية السياسية، فالزيارة تتضمن سياقاً آخر؛ إذ تأتي وسط توتر كبير بين موسكو والقوى الغربية، بسبب الصراع الدائر في أوكرانيا.

وفي ظل الهوس بهذا الصراع، سعت الولايات المتحدة إلى تصوير الزيارة على أنها تتصل بحاجة روسيا إلى أسلحة كوريا الشمالية، لدعم عمليتها العسكرية الخاصة، والحجة الأمريكية في ذلك أن موسكو استنفدت أسلحتها وذخائرها، وهي بحاجة إلى الدعم من البلدان الحليفة لها مثل بيونغ يانغ، وكل ذلك وثيق الصلة بالحرب الإعلامية الغربية على روسيا، ومحاولة تقزيم قدراتها العسكرية، وتشويه قيادتها السياسية. وهذه الدعاية يعلو صوتها، كلما استقبلت موسكو ضيفاً أو أوفدت بعض كبار مسؤوليها إلى بلد أو مؤتمر إقليمي أو دولي.

لا يمكن أن تكون زيارة كيم جون أون إلى روسيا بهدف السياحة أو الاستجمام، أو مساعدة موسكو عسكرياً أو اقتصادياً، وإنما تتصل بالأوضاع العالمية، لا سيما التوترات القائمة شرقي آسيا، وبعد لقاء بوتين، يفترض أن يزور كيم الصين لاحقاً للقاء الرئيس شي جين بينغ. وفي غياب التفاصيل عن هذه التحركات، يشير واقع الحال إلى أنها تدخل في إطار المواجهة الاستراتيجية القائمة بين روسيا والصين من جهة، والولايات المتحدة وحلفائها شرقي آسيا، كاليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا من جهة أخرى.

كما تأتي رداً على التحالفات المتعددة التي تقيمها واشنطن في تلك المنطقة، مثل «كواد» و«العيون الخمس»، واستعداداً لما يمكن أن يطفو على السطح خلال الفترة المقبلة، فكل المؤشرات تؤكد أن «شيئاً ما» سيحدث هناك ما إن تضع الحرب الأوكرانية أوزارها، ومهما تكن النتيجة التي ستسفر عنها. فتزاحم الأجندات والتحالفات في مضيق تايوان وبحر الصين الجنوبي والمحيطين الهندي والهادئ، باتت تنبئ بأزمة تضرب المنطقة الأكثر حيوية في العالم، ويؤثر مستقبلها في جميع القوى القريبة منها أو البعيدة.

في هذا السياق، تندرج زيارة كيم جون أون إلى روسيا، ولا علاقة لها بالصراع الدائر في أوكرانيا أو حاجة روسيا إلى أسلحة كوريا الشمالية، فالكل يرتب أولوياته، ويعزز تماسك تحالفاته؛ للمواجهة المقبلة، التي يبدو أنها باتت تقترب، وقد تكون في سياق حرب باردة عنيفة، وليس بالضرورة معارك عسكرية مدمّرة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdfmjh9p

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"