حرارة الأرض من خصوبة الإفريقيات

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

هل كنت تتخيّل أن تتفتّق قريحة آدمي عن مثل هذه الشطحة الساركوزيّة، التي يمتزج فيها الخيال العلمي بالكيمياء وعلوم البيئة والمناخ؟ هذه ليست تخرّصات، معاذ الله، فالرئيس الأسبق جاد بهذه السواطع اللوامع أمام الملأ في القناة الخامسة الفرنسية، وجدير بمن هو في مكانته أن يثير أعاصير الجدل في أوساط الساسة والعلماء.
قبل الخوض في غمار هذه الأعجوبة، يجب استبعاد الإفراط في الظنون، فبعض الظن إثم، إذا طاف بالخاطر مثلاً أن السيد نيكولا تراءى له في خلوته طائر الهامة، ذلك الذي كان الناس في الجاهلية يعتقدون أنه يخرج من رأس القتيل، ويظل يصيح: اسقوني، اسقوني، إلى أن يظفر بثأره. هذا الأمر بعيد حدوثه، فلا فرنسا ولا القارّة العجوز، لهما علاقة بالهامة، فالأواصر الوثيقة كانت بملك ملوك إفريقيا، التي انتهت بما يسمّيه الفرنسيون قبلة الموت. سينمائيّاً، مشهد دراكولي، لك أن تضيف إليه لقطات من زورو.
من باب الموضوعية التحليلية أيضاً، يُستحبّ اجتناب أن ينصرف الذهن إلى أن الرجل واقع تحت تأثير الملاحقات القانونية المعلومة تفاصيلها لدى الخاص والعام، ولم يجد كبش فداء غير القارّة السمراء، التي تلوح له رمز نكران الجميل لما أسدته إليها دول أوروبا في حقب الاستعمار منذ القرن الثامن عشر. السيد ساركوزي عاكف منذ يوليو الماضي على الخريطة الإفريقية وهو يضع الملصقات على مالي، النيجر، بوركينا فاسو، الغابون والبقية تأتي، وقد كتب على كل ملصق قول المتنبي: «وإن أنت أكرمت اللئيم تمرّداَ».
في ذلك الحوار المدوّي الذي أجرته معه الفضائية الخامسة في السادس من سبتمبر، أتى بما لم يستطعه أحد من علماء البيئة والمناخ، قال: «إن علّة ارتفاع درجة حرارة الأرض هي المرأة الإفريقية لأنها شديدة الخصوبة». قال القلم: لعل مترجماً ماكراً من مساعديه نقل إليه البيت العربي: «بُغاثُ الطير أكثرُها فراخاً.. وأمّ الصقر مقلالٌ نَزورُ»، فوجد ضالّته في أن الغربيين صقور والباقي بغاث. التحليل له خلفيّات وسوابق، فقبله صرح أحد أكبر المسؤولين في الاتحاد الأوروبي، السيد جوزيب بوريل أن «الغرب حديقة وباقي العالم أدغال». لا داعي لردود الويل والثبور، فعلماء فرنسا انبروا له، قالوا: «أوروبا وأمريكا الشمالية (1.3 مليار نسمة) مسؤولتان عن 51% من الكربون المنبعث منذ 1750، المسبّب للاحتباس الحراري، بينما 3% فقط صادرة عن القارّة الإفريقية التي يسكنها 1.2 مليار نسمة».
لزوم ما يلزم: النتيجة الإيقاظية: كم هو خطر هذا العالم الذي يسوس قوى عظمى فيه أناس يفكّرون على هذا النحو الكاريكاتوري؟
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5amc7mb7

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"