الإمارات.. نمو ابتكاري بلا حدود

21:20 مساء
قراءة 4 دقائق

د. عبدالعظيم حنفي *

بات النموذج التنموي لدولة الإمارات أحد النماذج الرائدة، إقليمياً ودولياً. فهي ليست ‏مركزاً عالمياً للتجارة والمالية والنقل والسياحة والثقافة فحسب، وإنما هي من أكثر ‏‏الدول إبداعاً في ‏العالم، بما يجعلها «حاضنة الابتكار»، و«ساحة الاختبار للابتكار» على ‏المستوى ‏العالمي. ولطالما تبوأت ‏‏الإمارات مراكز متقدمة في العالم بمؤشرات الابتكار في شتى المجالات، ‏وتقدم نموذجاً يحتذى ‏‏للاقتصادات الناشئة من حيث الممارسات المبتكرة. وأحد الأعمدة الرئيسية في هذا ‏النموذج التنموي الرائد هو الابتكار والنمو الابتكاري، في ظل عالم تتصاعد فيه قيمة المعرفة في ظل ‏التحولات الجذرية التي أفرزتها الثورة الصناعية الرابعة حيث تستثمر الإمارات في مشاريع البنية ‏التحتية الابتكارية، بما فيها البيانات والشبكات والذكاء الاصطناعي، إلى ‏جانب عدد من الصناعات ‏الجديدة ومن المخطط أن تدعم كل الوزارات الإماراتية النمو الابتكاري من خلال الاستثمار ‏المكثف في ‏مجال التكنولوجيا الأساسية للثورة الصناعة الرابعة، حيث تهدف الإمارات إلى أن ‏تصبح الدولة الأفضل في العالم في كل المجالات بحلول الذكرى المئوية ‏لتأسيس الاتحاد، وقد ‏عملت على تطوير تطبيقات ‏الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات وعلى المستويات، الحكومية ‏والخاصة، كافة.‏ ومن الملامح الجادة والفعالة على هذا الطريق ما شهده العام 2017 من إطلاق ‏حكومة دولة الإمارات لاستراتيجية الإمارات للثورة الصناعية ‏الرابعة، رسمت عبرها خريطة طريق ‏مفصّلة وواضحة المعالم ومحددة المسار، وتهيئة بيئة ومناخ ‏سليم ومعافى، وتعزيز أوضاع متسمة ‏بالمرونة، بهدف تعزيز مكانة الدولة كمركز عالمي للثورة ‏الصناعية الرابعة، والمساهمة في تحقيق ‏اقتصاد وطني تنافسي قائم على المعرفة والابتكار ‏والتطبيقات التكنولوجية المستقبلية التي تدمج ‏التقنيات المادية والرقمية والحيوية.‏ وفي فبراير/ شباط عام ‏‏2018 تم إطلاق الاستراتيجية الوطنية للابتكار ‏المتقدم، كنسخة مطورة للاستراتيجية الوطنية ‏للابتكار التي انطلقت في عام 2014. مما أدى ‏إلى إحداث نقلة نوعية في جودة الحياة ‏ومستويات المعيشة.‏ وقد قامت الإمارات بجهود كبيرة من ‏أجل تطوير وتوظيف تقنيات وآليات ‏الذكاء الاصطناعي‏ عبر وعي الدولة بأهمية دور القطاع ‏الخاص، باعتباره شريكاً في التنمية، وصاحب دور ‏مكمل لدور المؤسسات الحكومية في تطوير ‏الأنشطة الاقتصادية، ودعم النمو، ودعم جهود ‏التوظيف، فضلاً عن تنويع القواعد الإنتاجية ‏ومصادر الدخل، وتمتعه بروح ابتكارية وقدرة على ‏الإبداع ومرونة في الانتقال من قطاع إلى آخر، ‏بشكل لا يتوافر للمؤسسات الحكومية‏، وفيما تم إعلان 2023 عاماً للاستدامة في دولة الإمارات، ‏تحت شعار «اليوم للغد»، تنشط شركات ‏خاصة إماراتية عدة في الاستثمار بمجال الطاقة النظيفة ‏والمتجددة، عبر المشاركة في تطوير ‏مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والهيدروجين ‏وتحويل النفايات إلى طاقة، بالإمارات وحول ‏العالم، فضلاً عن الاستثمار في التقنيات النظيفة، ‏والسيارات الكهربائية ومحطات الشحن.

واللافت في القطاع الاقتصادي، قيام الإمارات باستمرار بتطبيق استراتيجية التنويع بشكل معمق من ‏خلال ‏‏تسجيل «الأول في العالم والأفضل في العالم. تجاوزت الإمارات خيال العالم بأول ‏فندق ‏بتصنيف 7 ‏نجوم و8 نجوم وأعلى مبنى وأكبر ميناء اصطناعي وجزيرة اصطناعية ‏ومركز تسوق ‏ومنتجع تزلج ‏داخلي ومنتزه ترفيهي داخلي، وأكبر محطة للطاقة الشمسية ‏والكهروضوئية في العالم، ‏هدفا إلى دعم ‏نمو الاقتصاد المعرفي وثقافة السياحة المحلية.‏ ومع استقطاب المواهب، حيث أشار الوزير عبد الله بن طوق وزير الاقتصاد في حواره المهم مع جريدة ‏الخليج إلى النجاح الكبير لمبادرة الإقامات الذهبية، خصوصاً بالنسبة لقطاعات ‏الأعمال، وقال: ‏‏«الوقود الحقيقي لأي اقتصاد هو رأس المال البشري، واستقطاب الشركات اليوم ‏يعني توفير المرونة ‏للشركات في استقطاب المواهب». حيث تعتبر الإقامات الذهبية ‏والخضراء من أهم المبادرات التي ‏عملت عليها الوزارة مع الجهات المختصة بتوجيهات القيادة في عملية ‏استقطاب المواهب.. ونبه ‏الوزير إلى أن الإقامات الذهبية ليست فقط لرجال الأعمال، ولكن للأطباء والعلماء ‏والمهندسين ‏وللطلبة وغيرهم.. ومن شأن سياسات الإقامة الجديدة للعائلات والطلاب أن تدعم ‏قطاعات الأعمال ‏في استقطاب المواهب.‏ والملاحظ تفاؤل وزير الاقتصاد بتجاوز التحديات العالمية، مستنداً ‏إلى مؤشرات وأعطى مثالين الأول مرتبط بالمعاملات ‏المالية، فأشار إلى توقيع الإمارات والهند، ‏بحضور صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ‏رئيس الدولة، حفظه الله، اتفاقية للتعامل ‏التجاري بالعملة المحلية (الدرهم والروبية). والمثال الثاني ‏عن الأمن الغذائي الذي تولي فيه ‏الإمارات اهتماماً كبيراً، مشيراً إلى مزرعة الإمارات للقمح «سبع ‏سنابل» التي توفر تحت الرعاية ‏المباشرة لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، ‏عضو المجلس الأعلى حاكم ‏الشارقة، بعض احتياجات السوق المحلي، وتشكل مع مشاريع محلية ‏أخرى نموذجاً للعمل على توفير ‏الأمن الغذائي في الإمارات.

وعلى صعيد استكمال إعادة تشكيل الأسس التي يقوم عليها اقتصاد دولة الإمارات، يرى بن طوق ‏‏أنه كان لا بد من التركيز على عمودين رئيسيين، هما عمود سهولة ممارسة الأعمال وكلفة ‏‏الأعمال، والعمود الثاني هو الحماية والملكية الفكرية للشركات والعلامات التجارية من منظور جديد ‏‏قائم على التكنولوجيا والتطور الذي يحدث على صعيد الاقتصاد وعملية الإنتاج‏.‏

‏ لقد تبنت دولة الإمارات رؤية طموحة واستشرافية لتعزيز الانفتاح الاقتصادي على العالم، وبناء ‏‏الشراكات التجارية الدولية مع الأسواق الاستراتيجية، ويشير انضمام دولة الامارات إلى تجمع ‏بريكس إلى طموح الإمارات لتوسيع نفوذها الجيوسياسي، وتشجيع التعاون متعدد ‏الأطراف، والتكيّف ‏مع عالم متعدد الأقطاب.‏

وتتفق مراكز الدراسات الاقتصادية على أنه يمكن لدولة الإمارات تعزيز ‏مكانتها كمركز عالمي للتجارة والخدمات اللوجستية، من خلال المواءمة ‏مع اقتصادات الدول الأخرى ‏في مجموعة «البريكس». ومن الأدلة على هذه الإمكانات هو التجارة ‏الثنائية المزدهرة بين الإمارات ‏والهند التي يُتوقع أن تصل قيمتها إلى 100 مليار دولار بحلول عام ‏‏2030، والمبنية على «اتفاقية ‏الشراكة الاقتصادية الشاملة» بين البلدين. وأصبحت الصين أيضاً أكبر دولة شريكة للإمارات في ‏مجال التجارة غير النفطية. كما زادت ‏التجارة بين الإمارات والبرازيل بنسبة هائلة بلغت 32 في ‏المائة بين عامَي 2021 و 2022، ‏وارتفعت بنسبة إضافية قدرها 8 في المائة في الأشهر السبعة ‏الأولى من عام 2023. ويُعد التنويع ‏‏(الاقتصادي) أمراً بالغ الأهمية لكي تحقّق الإمارات طموحها ‏بمضاعفة ناتجها المحلي الإجمالي ‏بحلول عام 2030، مع الاستمرار في تقليل اعتمادها على النفط ‏وتعزيز الاقتصاد القائم على ‏المعرفة.

* أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p256ne4

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"