د. عبدالعظيم حنفي *
بات النموذج التنموي لدولة الإمارات أحد النماذج الرائدة، إقليمياً ودولياً. فهي ليست مركزاً عالمياً للتجارة والمالية والنقل والسياحة والثقافة فحسب، وإنما هي من أكثر الدول إبداعاً في العالم، بما يجعلها «حاضنة الابتكار»، و«ساحة الاختبار للابتكار» على المستوى العالمي. ولطالما تبوأت الإمارات مراكز متقدمة في العالم بمؤشرات الابتكار في شتى المجالات، وتقدم نموذجاً يحتذى للاقتصادات الناشئة من حيث الممارسات المبتكرة. وأحد الأعمدة الرئيسية في هذا النموذج التنموي الرائد هو الابتكار والنمو الابتكاري، في ظل عالم تتصاعد فيه قيمة المعرفة في ظل التحولات الجذرية التي أفرزتها الثورة الصناعية الرابعة حيث تستثمر الإمارات في مشاريع البنية التحتية الابتكارية، بما فيها البيانات والشبكات والذكاء الاصطناعي، إلى جانب عدد من الصناعات الجديدة ومن المخطط أن تدعم كل الوزارات الإماراتية النمو الابتكاري من خلال الاستثمار المكثف في مجال التكنولوجيا الأساسية للثورة الصناعة الرابعة، حيث تهدف الإمارات إلى أن تصبح الدولة الأفضل في العالم في كل المجالات بحلول الذكرى المئوية لتأسيس الاتحاد، وقد عملت على تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات وعلى المستويات، الحكومية والخاصة، كافة. ومن الملامح الجادة والفعالة على هذا الطريق ما شهده العام 2017 من إطلاق حكومة دولة الإمارات لاستراتيجية الإمارات للثورة الصناعية الرابعة، رسمت عبرها خريطة طريق مفصّلة وواضحة المعالم ومحددة المسار، وتهيئة بيئة ومناخ سليم ومعافى، وتعزيز أوضاع متسمة بالمرونة، بهدف تعزيز مكانة الدولة كمركز عالمي للثورة الصناعية الرابعة، والمساهمة في تحقيق اقتصاد وطني تنافسي قائم على المعرفة والابتكار والتطبيقات التكنولوجية المستقبلية التي تدمج التقنيات المادية والرقمية والحيوية. وفي فبراير/ شباط عام 2018 تم إطلاق الاستراتيجية الوطنية للابتكار المتقدم، كنسخة مطورة للاستراتيجية الوطنية للابتكار التي انطلقت في عام 2014. مما أدى إلى إحداث نقلة نوعية في جودة الحياة ومستويات المعيشة. وقد قامت الإمارات بجهود كبيرة من أجل تطوير وتوظيف تقنيات وآليات الذكاء الاصطناعي عبر وعي الدولة بأهمية دور القطاع الخاص، باعتباره شريكاً في التنمية، وصاحب دور مكمل لدور المؤسسات الحكومية في تطوير الأنشطة الاقتصادية، ودعم النمو، ودعم جهود التوظيف، فضلاً عن تنويع القواعد الإنتاجية ومصادر الدخل، وتمتعه بروح ابتكارية وقدرة على الإبداع ومرونة في الانتقال من قطاع إلى آخر، بشكل لا يتوافر للمؤسسات الحكومية، وفيما تم إعلان 2023 عاماً للاستدامة في دولة الإمارات، تحت شعار «اليوم للغد»، تنشط شركات خاصة إماراتية عدة في الاستثمار بمجال الطاقة النظيفة والمتجددة، عبر المشاركة في تطوير مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والهيدروجين وتحويل النفايات إلى طاقة، بالإمارات وحول العالم، فضلاً عن الاستثمار في التقنيات النظيفة، والسيارات الكهربائية ومحطات الشحن.
واللافت في القطاع الاقتصادي، قيام الإمارات باستمرار بتطبيق استراتيجية التنويع بشكل معمق من خلال تسجيل «الأول في العالم والأفضل في العالم. تجاوزت الإمارات خيال العالم بأول فندق بتصنيف 7 نجوم و8 نجوم وأعلى مبنى وأكبر ميناء اصطناعي وجزيرة اصطناعية ومركز تسوق ومنتجع تزلج داخلي ومنتزه ترفيهي داخلي، وأكبر محطة للطاقة الشمسية والكهروضوئية في العالم، هدفا إلى دعم نمو الاقتصاد المعرفي وثقافة السياحة المحلية. ومع استقطاب المواهب، حيث أشار الوزير عبد الله بن طوق وزير الاقتصاد في حواره المهم مع جريدة الخليج إلى النجاح الكبير لمبادرة الإقامات الذهبية، خصوصاً بالنسبة لقطاعات الأعمال، وقال: «الوقود الحقيقي لأي اقتصاد هو رأس المال البشري، واستقطاب الشركات اليوم يعني توفير المرونة للشركات في استقطاب المواهب». حيث تعتبر الإقامات الذهبية والخضراء من أهم المبادرات التي عملت عليها الوزارة مع الجهات المختصة بتوجيهات القيادة في عملية استقطاب المواهب.. ونبه الوزير إلى أن الإقامات الذهبية ليست فقط لرجال الأعمال، ولكن للأطباء والعلماء والمهندسين وللطلبة وغيرهم.. ومن شأن سياسات الإقامة الجديدة للعائلات والطلاب أن تدعم قطاعات الأعمال في استقطاب المواهب. والملاحظ تفاؤل وزير الاقتصاد بتجاوز التحديات العالمية، مستنداً إلى مؤشرات وأعطى مثالين الأول مرتبط بالمعاملات المالية، فأشار إلى توقيع الإمارات والهند، بحضور صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، اتفاقية للتعامل التجاري بالعملة المحلية (الدرهم والروبية). والمثال الثاني عن الأمن الغذائي الذي تولي فيه الإمارات اهتماماً كبيراً، مشيراً إلى مزرعة الإمارات للقمح «سبع سنابل» التي توفر تحت الرعاية المباشرة لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، بعض احتياجات السوق المحلي، وتشكل مع مشاريع محلية أخرى نموذجاً للعمل على توفير الأمن الغذائي في الإمارات.
وعلى صعيد استكمال إعادة تشكيل الأسس التي يقوم عليها اقتصاد دولة الإمارات، يرى بن طوق أنه كان لا بد من التركيز على عمودين رئيسيين، هما عمود سهولة ممارسة الأعمال وكلفة الأعمال، والعمود الثاني هو الحماية والملكية الفكرية للشركات والعلامات التجارية من منظور جديد قائم على التكنولوجيا والتطور الذي يحدث على صعيد الاقتصاد وعملية الإنتاج.
لقد تبنت دولة الإمارات رؤية طموحة واستشرافية لتعزيز الانفتاح الاقتصادي على العالم، وبناء الشراكات التجارية الدولية مع الأسواق الاستراتيجية، ويشير انضمام دولة الامارات إلى تجمع بريكس إلى طموح الإمارات لتوسيع نفوذها الجيوسياسي، وتشجيع التعاون متعدد الأطراف، والتكيّف مع عالم متعدد الأقطاب.
وتتفق مراكز الدراسات الاقتصادية على أنه يمكن لدولة الإمارات تعزيز مكانتها كمركز عالمي للتجارة والخدمات اللوجستية، من خلال المواءمة مع اقتصادات الدول الأخرى في مجموعة «البريكس». ومن الأدلة على هذه الإمكانات هو التجارة الثنائية المزدهرة بين الإمارات والهند التي يُتوقع أن تصل قيمتها إلى 100 مليار دولار بحلول عام 2030، والمبنية على «اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة» بين البلدين. وأصبحت الصين أيضاً أكبر دولة شريكة للإمارات في مجال التجارة غير النفطية. كما زادت التجارة بين الإمارات والبرازيل بنسبة هائلة بلغت 32 في المائة بين عامَي 2021 و 2022، وارتفعت بنسبة إضافية قدرها 8 في المائة في الأشهر السبعة الأولى من عام 2023. ويُعد التنويع (الاقتصادي) أمراً بالغ الأهمية لكي تحقّق الإمارات طموحها بمضاعفة ناتجها المحلي الإجمالي بحلول عام 2030، مع الاستمرار في تقليل اعتمادها على النفط وتعزيز الاقتصاد القائم على المعرفة.
* أكاديمي مصري