السودان بأكثر من وجه

00:23 صباحا
قراءة دقيقتين

وليد عثمان

على وقع اشتباكات لم تتوقف منذ أكثر من خمسة أشهر، وإن اختلفت حدّتها من فترة لأخرى، ظهر رأسا الطرفين المتحاربين في السودان من منصتين مختلفتين، وكلاهما يدّعي وصلاً بلغة التفاوض والرغبة في السلام، بينما تجددت دعوة المكوّن المدني الممثل في قوى الحرية والتغيير إلى التفاوض.

بفارق ساعات، ظهر الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش، على منصة الأمم المتحدة، بينما تحدث محمد حمدان دقلو (حميدتي)، قائد قوات الدعم السريع، من مخبئه في شريط فيديو، مستعينين في خطابيهما إلى الخارج بما لا صلة له إطلاقاً بما آل إليه وضع السودان وأهله.

وربما تكون هذه المناسبة أحدث علامة على الانقسام في السودان وتعدد أوجه مأساته التي تنفض كل الأطراف منها أمام العالم، ثم إذا انطفأت الكاميرات بدت ظلمة الواقع السوداني الذي تعجز الأرقام المعلنة عن تبيانه، رغم أنها كلها تعبير عن إحصاءات تقل كثيراً عن الحقيقة.

 هذا الواقع تجاوز مرحلة تبادل الاتهامات عن صاحب الطلقة الأولى في هذه الحرب العبثية التي يتصور طرفاها أن نهايتها رهن بادّعاء الرغبة في وقف إطلاق النار وأن يمد كل منهما يده بالسلام، بينما هي قابضة على السلاح.

هل كانا يحتاجان إلى انعقاد الجمعية العامة  للأمم المتحدة لإعلان براءتهما من دم السودانيين الأبرياء، بينما الاشتباكات لا تتوقف؟ وهل كانت الاجتماعات مناسبة لقوى الحرية والتغيير لتطل برأسها بعد غياب معلنة خيبة أملها في خطاب البرهان في المنظمة الدولية، داعية الطرفين إلى التفاوض في تماهٍ مع دعوة مماثلة من الولايات المتحدة الأمريكية؟

كأن الاحتشاد الدولي في الأمم المتحدة كان مناسبة لمباراة كلامية بين الفريقين المتحاربين، يدّعي حميدتي أن قوات الدعم السريع على استعداد تام لوقف إطلاق النار في جميع أنحاء السودان للسماح بمرور المساعدات الإنسانية وإطلاق محادثات سياسية جادة وشاملة، فيفاجئنا البرهان «ما زلنا نمد أيادينا من أجل السلام ومن أجل إيقاف هذه الحرب ورفع المعاناة عن شعبنا».

يؤكد الأول أن قواته على استعداد تام لوقف إطلاق النار والدخول في محادثات سياسية شاملة، فيجدد الثاني التزام الجيش بالانسحاب من السياسة في إطار الانتقال إلى حكم مدني.

لم يبق للطرفين بوجهيهما المسالمين، إلا اتهام الشعب السوداني بقتل الآلاف وتشريدهم ووضع بلدهم على محك القسمة وتعريض محيطه لفتن لا يعرف أحد مداها. ولا أحد، بهذا المنطق، يمكن محاسبته إلا أطفال السودان المقامرين بمستقبلهم، بينما الكبار العقلاء يتنافسون في مدّ الأيدي بالسلام والدعوة إلى التفاوض ينهي المأساة.

هذه الوجوه التي تطل على العالم بريئة مما وقع ويقع خوفاً من محاسبة، أو طمعاً في استمالة مؤيّدين لموقفها، عليها أولاً أن تترجم هذه النوايا التليفزيونية إلى عمل مخلص على أرض السودان يوقف آلة الحرب ويستجيب للداعين إلى كلمة سواء.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yc6um3v5

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"