رحلة في فيزياء الخيال

00:17 صباحا
قراءة دقيقتين

هل يمرّ الشعر بمرحلة انتقاليّة تاريخيّة، نتيجة تغيّر جذريّ في النموذج الفكري؟ هذا المحور تناوله القلم من زوايا شتى، ولكنه مع ذلك «يتمادى» في الإلحاح، عسى أن تدرك المناهج العربية أنها تحمل أمانة علمية ثقافية، هي مسؤولية تربية الخيال. ما يجب التفكير فيه بجدّ، هو أن اكتساح العلوم جميع الميادين في الحياة المعرفية المعنوية، فضلاً عن المادّية والتطبيقيّة، سيصحح المعايير وطرائق التفكير جذريّاً، في مجالات لم تكن تخطر على بال الفلاسفة والعلماء.

تُرى هل كان أبعد الشعراء إبحاراً في الخيال، يتصوّر أن الخيال سيغدو ذات يوم موضوع بحث في علم الأحياء والعلوم العصبية: ما هي الشحنات الكهربائية في التشابكات العصبية، التي نسمّيها إلهاماً؟ ما الفرق بينها وبين إلهام المعادلات الفيزيائية، أو بين إلهام النظريات الاقتصادية، أو الموسيقيّة؟ لا يختلف الأمر كثيراً إذا نسبت الخيال والإلهام إلى جنّيات وادي عبقر. مصطلح الوادي لم يبرح مكانه، لكنه ترك وادي عبقر وحلّ بوادي السيليكون.

كان الانطلاق من الشعر مناسباً لمقاربة الخيال، والخيال من جنس الوعي، والوعي له منشأ بيولوجي. والبيولوجيا لها نشوء من الطاقة، أي في صميم الفيزياء التي خُلق منها الكون كله. هذا هو معنى أن الإنسانية تمرّ بمرحلة تغيير جذريّ في الإطار الفكريّ، الذي ترى منه المحيط الأكبر المنبثق من أصغر صغير. قد يظهر الإبداع الشعري على هيئة أشكال فنيّة مختلفة تماماً في المديين المتوسط والبعيد. أغلب الظن أن التحوّلات العلمية ستغير مفاهيم الإبداع المألوفة. لم يحدث في التاريخ أن التقى الطرفان، أكبر كبير وأصغر صغير، عند نقطة علمية مشتركة.

هذا في حدّ ذاته مدوّخ، فتخوم الكون المنظورة مداها خمسون مليار سنة ضوئية، وأقصى الصغر هو جدار بلانك أو طول بلانك، أي تقريباً ناقص واحد وإلى جانبه 35 صفراً، من المتر. علماء الفيزياء يطلقون لخيالك العنان، وليت المناهج تستفزّ أخيلة الدارسين بألوان لا تحصى من هذه النفحات، ذلك المنتهي الصغر يسمّونه حُبيْبات الزمكان (الزمان والمكان). يقولون لتقريب الصورة: الجُسيْمات ما دون الذرّة، مثل البروتون، أصغر من كتلة جسم الإنسان بألف تريليون مرّة (15 صفراً)، فإذا أردنا الانتقال من مستوى البروتون إلى طول بلانك، فإن طول بلانك أصغر من البروتون بعشرين صفراً، أي مئة مليار مليار مرّة. لا تقُل: ما علاقتنا بهذه الأساطير الفيزيائية؟ الحقيقة هي أن دراسة بداية الكون، الانفجار العظيم، لا تتسنّى إلّا انطلاقاً من تلك النقطة التي تشبه اللّاشيء، لكنها هي المبتدأ والبداية لكل الكون، ولحضرة جنابك.

لزوم ما يلزم: النتيجة التذكيرية: عليك الآن التفكير مليّاً في أن الشعر يمرّ بمرحلة انتقالية أم لا؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdhj89cb

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"