من منا لم يسمع في طفولته عن قصة السباق الذي جرى بين سلحفاة من المعروف عنها البطء الشديد في الحركة، وأرنب يمتاز كما هو معلوم للجميع بسرعة تفوق سرعتها بعشرات الأضعاف، لينتهي التحدي في النهاية بفوز السلحفاة الحكيمة على ذاك الأرنب الأرعن الذي جلس متكاسلاً مغترَّاً بنفسه وبقدرته على اللحاق بالسلحفاة في أي لحظة يشاء، فوجد نفسه في نهاية المطاف متخلّفاً عنها بمسافة كبيرة، بعد أن سبقته إلى خط النهاية لتكون الفائزة في ذاك السباق، بفضل صبرها وحكمتها وإصرارها على بلوغ الهدف رغم الفارق الكبير بينها وبينه من حيث القدرة الجسمانية.
إن تلك القصة الرمزية ما هي إلا تصوير للواقع في كثير من المناسبات، فكثيراً ما تجد شخصاً ذكياً للغاية وصاحب إمكانات ومواهب عديدة يخفق في حياته، في مقابل شخص عادي متوسط الذكاء لكنه يتمتَّع بإصرار كبير ومثابرة منقطعة النظير في سبيل بلوغ أحلامه وأهدافه، ما يجعله في النهاية يحقق إنجازات عظيمة لا يرقى إليها من يفوقه ذكاء وموهبة فطرية.
كذلك الحال بين الموظفين، فشتّان بين موظف يتمتع ببعض الحكمة وقدرة جيدة على الابتكار إلى جانب شخصية تمتاز بالتروّي والهدوء والدبلوماسية والصبر والمثابرة على العمل، وبين موظف يمتاز بذكاء شديد وسرعة مدهشة في إنجاز المهام الموكلة إليه، لكنه في المقابل يرتكب عشرات الأخطاء ولا يملك أدنى صبر على المهمات الصعبة التي يتطلب العمل عليها ساعات طويلة أو التزاماً طويل الأمد، إلى جانب شخصيته التي تتَّسم بالانفعال الشديد والعصبية وعدم القدرة على ضبط النفس، فضلًا عن الغرور والإحساس الزائف بالفوقية على الآخرين.
في كل حكاية، وفي كل قصة خيالية أو واقعية، سيظل الصبر والحكمة يثبتان تفوقهما المدوّي على المواهب الفذَّة والذكاء والرعونة والغرور، فكم من موظف مجتهد صبور نال الحظوة في أعين الإدارة ليتبوّأ في النهاية أعلى المناصب، وكم من موظف شديد الذكاء، متعدد المواهب، لكنه باء بفشل ذريع وإخفاق في تحقيق تطلعات الجهة التي يعمل لديها، بل وفي إنجاز الأعمال المنوطة به بشكل جيد ومرضٍ.
لذلك فمن واجب إدارة أي جهة قبل اختيار الموظفين لديها، الاهتمام بقياس شخصية المتقدم للوظيفة بمختلف جوانبها والوقوف عند دوافعه الذاتية وعاداته اليومية وطباعه، وكيفية استجابته وقت الأزمات والمواقف الحرجة والتحديات المختلفة، وكيفية تعاطيه مع الآخرين، فضلاً عن قياس قدرته على الالتزام وتحمُّل ضغط العمل، وذلك لوضع الشخص المناسب في المكان المناسب.
[email protected]
